مقاتل من داعش في القورية
بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة القورية، أطلق شرعيو التنظيم وأمراؤه وعوداً كثيرةً برفع جودة الخدمات المقدّمة للسكان، من كهرباءٍ وماء، ووعدوا بتوفير الطحين والمحروقات. لكن شيئاً من هذه الوعود لم يتحقق، وبعد ثلاثة أشهرٍ من سيطرة التنظيم.
لم تعد شبكة الكهرباء العامة مفيدةً في شيء، لانقطاع التيار ساعاتٍ طويلةً كلّ يوم، مقابل ساعةٍ أو ساعتين من توافره. ولم يستطع "مكتب خدمات المسلمين"، وهي الهيئة التابعة للتنظيم والمسؤولة عن الخدمات، فعل أيّ شيءٍ، رغم سيطرة التنظيم الكاملة على العنفات الغازية المولدة للكهرباء في بعض حقول النفط في محافظة دير الزور. ولم تستطع "الدولة" أن تحقق نظام تغذيةٍ كهربائيٍّ واحدٍ لجميع البلدات والقرى في المحافظة. وفي خدمات مياه الشرب لم يلاحظ السكان أيّ تحسنٍ يذكر. ولم يستطع "مكتب خدمات المسلمين" تلبية احتياجات الورشات المشغلة لمحطات التصفية في المدينة، وما زال عمال هذه الورشات يتدبّرون أمرهم ويحلّون مشكلات عملهم الكثيرة بأنفسهم. وحال النظافة وأعمال البلدية متردّيةٌ هي الأخرى، وللأسباب ذاتها.
ولا ينتظر عمال الخدمات، وبعد تجربة الأشهر الثلاثة مع التنظيم، شيئاً منه. وكلّ ما يأملون به الآن هو أن يسلموا من تعديات عناصره وسلوكهم المتغطرس. ويطلب أحد العاملين في قطاع الكهرباء أن يُغفل اسمه قبل أن يتحدث عن احتلال عناصر من التنظيم، يساعدهم "بعض المنافقين من الأهالي"، لمدرسةٍ تلاصق مركز طوارئ الكهرباء في المدينة، ليحوّلوها إلى مقرٍّ ومعهدٍ شرعيٍّ لهم، ثم ليطردوا عمال الكهرباء من المركز نفسه ويجعلوا منه محلّ إقامةٍ لبعض عناصر التنظيم من الأجانب.
ومن جانبه يكذّب أبو عدنان (60 عاماً، من سكان القورية) وعود التنظيم، ويرفض مبرّراتهم لتأخر تنفيذ هذه الوعود. ويستدلّ على ذلك فوراً بارتفاع سعر أسطوانة الغاز المنزليّ من 1500 إلى 6000 ليرةٍ، بالرغم من سيطرة التنظيم على حقول الغاز في المحافظة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المحروقات الأخرى، إذ ارتفع سعر برميل المازوت من 8000 إلى 15000 ليرة، وارتفع سعر برميل البنزين من 11000 ليرةٍ إلى 18000.
ويضيف أبو عدنان أن الخمسين ألف نسمةٍ من سكان القورية يعانون أوضاعاً معيشيةً صعبةً، وخاصّةً مع تقلص فرص العمل وارتفاع الأسعار إلى مستوياتٍ تفوق قدرة معظم السكان، في حين "يلاحق عناصر التنظيم المدخنين، ويحطّمون الأراكيل، ويجبرون النساء على تغطية وجوههنّ، وغير ذلك من الأمور التي لا تهمّ الناس في حياتهم اليومية". ولا يظهر أبو عدنان، وغيره من معظم سكان المدينة، ابتهاجاً لمنجزات التنظيم التي يتفاخر بها مقاتلوه، من توفير الأمن ومحاربة السرقة وغير ذلك. "بهذه الطريقة من الإرهاب كانت المخابرات العسكرية تفرض الأمن في عهد بشار"؛ يعلّق شابٌّ متعلمٌ على دعاية التنظيم في هذا الجانب، ويميّز بين الأمن المفروض بالقوّة والعنف والسطوة، وبين الإحساس بالخوف وفقدان الأمان الذي يشعر به الجميع.
ولا يبدو كثيرٌ من أهالي القورية سعداء مع التنظيم. كما لا يبدو أن الجدران السوداء وعبارات الحضّ والتوجيه والدعاية المخطوطة عليها قد حققت أهدافها إلا في أنفس القلة من الشبان. يقول أحد المراهقين المنضمّين حديثاً إلى التنظيم إن: "الدولة تنشر الإسلام وتحارب الحرامية واللصوص وقضت عليهم". يهمس أحد الحاضرين بأن هذا الشاب نفسه صاحب سوابقٍ ولصٌّ من لصوص الدراجات النارية. ويشير الكثير من السكان إلى أن الكثير من مبايعي التنظيم الجدد في القورية هم من الأشقياء ومثيري المشاكل واللصوص، الذين لم يتردّدوا، فور سيطرة التنظيم على المدينة، في الالتحاق بصفوف مقاتليه. وقد تمّ إخضاعهم لمعسكراتٍ شرعيةٍ قصيرةٍ، ليقبضوا بعد ذلك رواتب شهريةً لا تقلّ عن 8000 ليرةٍ مقابل أعمالٍ ومهمّاتٍ صغيرةٍ، مثل الوقوف على الحواجز، أو الركوب في سيارات الحسبة، أو الحراسـة علــى أبواب المقرّات.