القانون السوري في محاكم ريف حلب الشمالي
اعتراضات لأسباب لا تخص القانون وجدل مستمر

على أحد الجدران في أعزاز

أثارت حادثة توقيع عدد من القضاة المنشقّين عن النظام فيما يعرف بمناطق «درع الفرات» على اعتماد وتطبيق القانون السوري -بما لا يخالف دستور عام (1950)- موجةً من الاستياء داخل الأوساط الثورية عموماً، وبين صفوف العاملين في سلك القضاء والمحاكم الشرعية خصوصاً، فلماذا رفض البعض هذا القرار وماهي البدائل؟

شهدت قنوات التواصل الاجتماعي حملة انتقاد واسعة لم يسلم منها الموقّعون على هذا القرار، وعلى خلفية ذلك سارعت العديد من الجهات لإصدار بيان استنكار للقرار، ومن أبرزهم فصائل الجيش الحر، التي أعلنت في بيان رسميّ رفض بيان القضاة، وطالبت بتشكيل لجنة مختصة تشمل «كافة شرائح الثورة» لاختيار أو صياغة مجموعة من القوانين تناسب المرحلة، إلى حين «اختيار الشعب قانونه ودستوره بعد إسقاط النظام»، ولعل اللافت في بيان الفصائل عدم تدخلها في رفض أو قبول القرار جملة وتفصيلاً، وإنما جاء اعتراضهم على استئثار القضاة، وتفرّدهم بمثل هذا القرار الخطير والهامّ دون الرّجوع لباقي مكونات المجتمع. وعقب بيان الفصائل عقد قرابة 50 قاضياً ومحامياً اجتماعاً حضره عدد من المحامين والقضاة السوريين العاملين في منطقة درع الفرات، ومندوبون عن وزارة العدل التركية بصفة مراقبين، أقروا بموجبه تطبيق القانون السوري وفق دستور 1950 وما قبله، مع العمل على طيّ وتعطيل المواد المخالفة للفقه الإسلامي ومبادئ الثورة السورية أينما وجدت، وتكليف لجنة تعمل على إصدار لوائح بالمواد المعطّلة خلال مدة أقصاها شهر.

يفيد عمرو شميس رئيس المحكمة الشرعية في حلب وريفها سابقاً، في حديث لـ «عين المدينة»، بأن اعتماد القانون السوري يشكل (سابقة ثورية خطيرة)، لكونه يحوي مواداً تكرّس الاستبداد والعنصرية، سواءً أكان وفق دستور 1950 أم 1973، كما أنه يعتمد في الكثير من الأحكام على القانون الفرنسي والألماني، وقوانين أخرى لا تعبر عن ثقافة ولا هوية الشعب السوري، وذلك خلاف القانون العربي الموحد الذي يحظى بشرعيّة عربيّة ودولية لا يمكن إنكارها، إضافةً للشرعية الثوريّة التي اكتسبها من قبل العديد من المكونات، من أبرزها هيئة محامي حلب الأحرار ومجلس القضاء الأعلى وغيرهم. 

وتطبّق معظم المحاكم المحسوبة على فصائل الجيش الحر على امتداد الجغرافيا السورية القانون العربي الموحد، وذلك بعد معارك وتجارب خاضتها المحاكم والهيئات الشرعية تحت مسمى «تحكيم الشريعة»، إذ لا يمكن لأي جهة تطبيق أي شريعة ما لم تكن مقننة ومفصّلة، واستطاع القانون العربي الموحد في الفترة السابقة أن يحسم الجدل من هذه الناحية، وقد اعتمد المجلس الإسلامي السوري الذي يضم قرابة 40 رابطة علمية وشرعية في أنحاء سورية هذا القانون، ونصّ على عدم الخروج عنه إلا في حال مخالفته نصوصاً شرعية صريحة.

يقول المحامي محمد حاج عبدو العامل في ريف حلب الغربي لعين المدينة: «يتميز القانون السوري بمواده المقنّنة والمفصلة مع وجود الشروحات، ولا شك بأنه أسهل لنا كمحامين من حيث الممارسة والتطبيق، إلا أن العربي الموحد يبقى المرجعية الأنسب كقضاء ضرورة في الوقت الحالي، نظراً لتوافق معظم المحاكم عليه، واعتماده الشريعة الإسلاميّة كمصدر تشريعي وفق مواد مقنّنة، مع الإشارة إلى أن العديد من مواده تمّ تعطيلها كالحدود وغيرها، وذلك إمّا بسبب مخالفة بعضها للشريعة، أو استحالة تنفيذها في حالة الحرب لعدم وجود (إمام)»، ويرى حاج عبدو بأن «الاتفاق على القانون الواجب التطبيق لا يمكن أن يقرّه بضعة أشخاص، خصوصاً مع عدم مراعاتهم حالة الضرورة التي لم ترفع بعد»، ويضيف: «قرار كهذا لا بد له من عقد اجتماعي، يمثل فيها الشّعب العنصر الأبرز، وهو من مهام ومسؤولية لجان مختصة تمثّل الشعب وتتضافر فيها جهود علماء الشريعة والقانون، لتقوم بإعداد دستور وقانون جديدين للبلاد».

ويتطابق القانون السوري مع العربي الموحد في أصول المحاكمات بنسبة كبيرة، إلا أنهما يختلفان في عدد من الأحكام والقضايا، فلا ينصّ القانون السوري مثلاً على الحدود والتعزيرات، كذلك يحوي مواداً تخالف الشريعة كقضايا الزنا والفائدة وغيرها، ويعدّ القانون العربيّ الموحد، كما يرى المدافعون عنه، أفضل القوانين التي تعتمد الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي في التشريع، إلا أنه لم يسلم من بعض الملاحظات، وهو قانون شاركت بصياغته في وقت سابق لجان شرعية بإشراف علماء وحقوقيين وقانونيين، تحت مظلّة جامعة الدول العربية، وذلك بهدف توحيد الدول العربية، وإقامة التشريع العربيّ الموحّد وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ويتميّز بأنه لا يتقيّد بمذهب فقهيّ معيّن.