- Home
- Articles
- Radar
القابضات في ريف دير الزور الخاضع لقسد.. إيهام الضحايا بالثراء السريع .. وتحذيرات
يتزايد الإقبال على بيع وشراء الممتلكات بالآجل في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسلطة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إن كان من السكان المحليين أو من تجار امتهنوا هذا العمل الذي يحيط به الكثير من الأسئلة، خاصة في ظل الأرباح الكبيرة التي يمنحها الشاري للبائع لكن بعد فترة محددة من البيع، ما أثار الجدل بين إعلاميي وناشطي وفاعلي المنطقة الاجتماعيين، فضلاً عن سكانها.
بدأ الأمر منذ ثلاث سنوات تقريباً في قرى عشيرة الشعيطات ومحيطها بشكل غير علني، وطفى على السطح قبل عام من الآن حين همَّ البعض بشراء الممتلكات من السكان بالآجل، على أن يدفع لهم بعد عدة أشهر السعر الحقيقي مضافاً إليه مبلغاً قد يتجاوز نصف سعر السلعة المشتراة، إن كانت سيارة أو جراراً أو أرضاً زراعيةً أو منزلاً أو غيرها من الأشياء. على سبيل المثال يتم شراء سيارة (هونداي H100) بمبلغ آجل قدره 23000 دولار أمريكي، في حين لا يتجاوز سعرها الحقيقي 15000 دولار، على ألا تزيد مدة السداد عن السبعة أشهر، وقد لا تتجاوز الثلاثة أشهر في بعض الحالات.
من أشهر هؤلاء "التجار بالدين" والذين سموا في ما بعد بـ"القابضات" كمصطلح محلي، محمد حسن الگذّنّي من أبناء بلدة الكشكية، وهو سجين سابق في المملكة السعودية بتهمة الاتجار بالمخدرات وفق البعض من أبناء بلدته، التي يمتلك مركزاً تجارياً "مول" فيها، والمدعو "أبو أكرم السوسة" من بلدة السفيرة في ريف ديرالزور الغربي ويقيم في بلدة السوسة القريبة من الحدود السورية العراقية، وخليف العويد الملقب ب "سمو الأمير" ويقيم في بلدة غرانيج، وأحمد محمد سالم صاحب لقبي "القيصر" و "أبو الريش" ويقيم في الكشكية.
يعتقد العديد من سكان المنطقة أو من هم على اطلاع على هذا النشاط من محللين، أن هؤلاء التجار ممولون من إيران لشراء العقارات بعد الوثوق بهم من قبل الأهالي، ويقتنع آخرون باحتمالية أن يكون مصدر المبالغ هي "أرصدة مجمدة" خاصة من ليبيا، وفي هذا الإطار ظهرت شائعات تدور حول كون الأوراق النقدية التي يتعامل بها التجار "تحمل أرقام متسلسلة" و"جديدة" وتأتي مهربة "ضمن توابيت". في حين لم تتوصل سلطات "قسد" إلى أي نتيجة بعد التحقيق مع عدد من التجار بحسب ما أعلنت.
يعمل مع التجار مندوبون (مناديب باللهجة المحلية) يتوزعون على مختلف مناطق الريف الشرقي لدير الزور، وتنحصر مهامهم في البحث عن السلع وشرائها وعرضها للبيع مرة أخرى بأقل من سعرها المشترى به. يقول أبو ياسر أحد مندوبي "الگذّنّي"، أن الأخير أكثر هؤلاء التجار ثباتاً ولديه "الكثير من المصاري" في حين أن الآخرين يمنحون الأرباح من أموال المتعاملين معهم، في إشارة إلى حقيقة مجمل العمليات التي يقوم بها "القابضات"، وتندرج ضمن ما يسمى ب"مخطط بونزي" الذي يعني أن يؤمن التاجر أرباح البائع أو المودع من وديعة أو ثمن بضاعة بائع آخر.
يعبّر المندوب بمثل محلي عن عمل التجار قائلاً "يشيلون من كرعة هذا ويحطونها بكرعة ذاك"، ثم يحاول تمييز "الگذّنّي" بأنه من "الهوامير أصحاب الأموال" إلى الدرجة التي كان "يطلب منه ضباط سعوديون أن يعملوا معه في الفترة التي كان يقضيها في السجن السعودي بتهمة الاتجار بالمخدرات" بحسب المندوب.
ويضيف أبو ياسر أن "سمو الأمير" و "أبو أكرم السوسة" يدفعون قيمة الدين بعد شهرين أو ثلاثة، في حين أن الگذني يدفعه خلال سبعة أشهر بربح يتراوح بين 60-75%.
ولأن النشاط القائم على "مخطط بونزي" جديد على السوريين، ربط العديد من المحللين بينه وبين مصادر غير مشروعة للمال، مثل المحلل الاقتصادي يونس كريم الذي رأى في حديث لعين المدينة أن الدولارات التي يتعامل بها التجار في مجمل مناطق سيطرة "قسد" مصدرها "أموال مجمدة ليبية وعراقية"، وصلت إلى سوريا عن طريق مجموعة "فاغنر" الروسية والحرس الثوري الإيراني، وأُدخلت للمنطقة عن طريق شركات محلية كـ "القاطرجي" و"مدلول"، ونشرت بين الناس بطريقة التداول الجارية.
أما المصدر الثاني لهذه الأموال بحسب الكريم، فهو أموال المخدرات المنتَجَة بشكل خاص في مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية، والتي تبيّض في شرق الفرات ليعاد استخدامها من جديد.
في حين رأى المحلل الاقتصادي يحيى السيد عمر أن "الضبابية تسود هذه الأنشطة، ولكن ووفقاً للمبدأ الاقتصادي فإن هذه الأنشطة خاسرة حكماً، لذلك فإن الاستمرار بها (سيفضي) إلى حالات احتيال، وعموماً توجد عدة مظاهر تشي بوجود حالات احتيال في هذه الأنشطة".
يسيطر التهويل والشائعات والمبالغة على حديث السكان المحليين عن هذا النشاط، وكنوع من الدعاية وزرع الثقة وتطمين الأهالي وإظهار ثبات وقدرة التجار المالية، يُسيّر "المناديب" أرتالاً كبيرة من السيارات في شوارع البلدات للفت النظر، وقد يستأجرون بعض السيارات من أصحابها بمبلغ 100 دولار لفترة المسير بحسب ما لفت البعض ممن تحدثت إليهم عين المدينة.
وفي الفترة الأخيرة، ازداد عدد "القابضات" واشتد التنافس بينهم إلى الدرجة التي باتت فيها مدة السداد لا تتجاوز الشهر، وبربح يقارب المئة بالمئة، فظهر الگريع "المختار" والهمشري والعويد وآخرون، وتوسع نطاق السلع المتداولة ليشمل حتى الأسلحة والهواتف الجوالة، الأمر الذي دفع بعض الوجهاء والشيوخ والأهالي إلى توجيه جملة تحذيرات ممن أسموهم بـ "المحتالون الجدد".
ونشرت "الصفحة الرسمية لعشيرة الشعيطات"، الثلاثاء 28 من حزيران الماضي، بياناً على "فيسبوك" يحذر من توسع قضية البيع المؤجل، مؤكدة فيه أن الناس باتوا يأتون من القرى المجاورة ومن الحسكة والرقة.
وأوضح البيان أن هذا التعامل "شأن بين الدائن والمستدين" مضيفاً أن "الشعيطات كعشيرة وأفراد لاعلاقة لهم بأي إشكال قد يحدث مستقبلاً بين أطراف التعامل".
وجاء البيان تحسباً لقيام بعض الأطراف بمصادرة ممتلكات تعود إلى أفراد من عشيرة الشعيطات ممن لا علاقة لهم بهذا التعامل في حال حدوث أي احتيال بحسب البيان، والذي أشار إلى قيام بعض "المستثمرين" برشوة جزء من الوجهاء لتعطيل أي مقاومة للمشاريع.
بينما أصدر "خطباء المساجد والوجهاء" بياناً سموا فيه ما يجري ب "معاملات غريبة غلب الحرام عليها"، ونبهوا في البيان إلى أنه "لا يجوز ولا يحق لأحد وقع ضحية لعملية نصب أو احتيال أن يتعرض لأحد أقارب المحتال.. أو قطع الطرق على المارين من الشعيطات" وتوقع مصدرو البيان أن تلك العمليات ستجلب معها "الفتن والدماء" بسبب الاحتيال الذي تخفيه خلفها.
بيان خطباء المساجد والوجهاء