الصفحات الثوريّة الساخرة على الفايسبوك تأسيسٌ للإعلام الجديد، أم إضحاكٌ وتسليةٌ فقط؟

النقد حاجةٌ مهمّةٌ لتطوير المجتمعات والنهوض بها. وخلال حكم آل الأسد افتقد السوريون إلى هذه الحاجة. ولعل أبرز ما دفع الناس إلى الالتحاق بالثورة هو الرغبة في انتقاد أخطاء السلطة ومحاسبة الفساد والمفسدين.

وقد لوحظ في الآونة الأخيرة انتشارٌ كبيرٌ لصفحاتٍ على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ناقدةٍ ساخرةٍ من أخطاء الثورة والناشطين والثوّار، مثل: "شلي دوت كوم" و"معاليق الثورة السورية" و"دبوس ثقافي" و"شوفوني". ولاقت هذه الصفحات رواجاً كبير لدى الكثير من السوريين المستخدمين لهذا الموقع، مما يعكس مدى شعبية ما يسمى الصحافة الساخرة لديهم. مع العلم أن هذا النوع من الصحافة ليس جديداً كلياً على ذاكرتهم القريبة، منذ عاش فترة انتعاشٍ قصيرةٍ في بداية حكم الأسد الابن، عبر صحيفتي "الدومري" و"المضحك المبكي" وغيرهما من الصحف التي قام النظام بإغلاقها بسبب عدم اتساع صدره للمواد المنشورة فيها، والتي كانت تلامس حياة السوريين وواقعهم، وترسم دائرةً حمراء حول الفساد والمفسدين في البلاد.
ولكن، يرى البعض أن هذه الصفحات خطأٌ كبيرٌ في هذه المرحلة المهمة من الثورة، لأنها تسهم في التفرقة، والثورة اليوم تحتاج إلى ما يوحّد الصف. فيقول عامر (ِطالبٌ جامعيّ. 22 سنة) وأحد مستخدمي موقع الفيس بوك: "أضرار هذه الصفحات على الثورة أكبر من فوائدها، فهي تنتقد كياناتٍ ضمن جسد الثورة، وتسخر من مشاريع ثوريةٍ قد تخالف توجهات القائمين على هذه الصفحات. وبذلك يزداد الاحتقان بين الثوّار، وتتسع دائرة الخلاف". ويتوافق رأي عامر مع وجهة نظر مازن (مدرّس. 28 سنة) الذي يرى أن هذه الصفحات لا تصل إلى مستوى الصحافة الناقدة والساخرة، فهي تعتمد على النقد اللاذع والتهجم على آراء وتوجهات بعض ناشطي الثورة. لكنه يرى أن ظهورها حالةٌ طبيعية، نتيجةً لحرية الرأي التي يطالب بها السوريون.
ومن خلال متابعة بعض هذه الصــــفحات، ومشــــــاهدة كمّ المعجـــــبين والمشاركين والمعلقين، نجد أن هناك توافقاً كبيراً بين ما تطرحه وبين ما يراه الكثير من الناس. إذ يجد كمال (طالبٌ جامعيّ. 23 سنة) في هذه الصفحات ما يعتبره ملامسة للواقع، فيقول: "لا شك في أن مثل هذه الصفحات هي تجارب مؤقتةٌ لمشروعٍ كبيرٍ يدعى حرية الرأي. وإن كانت هذه الصفحات تقسو في نقدها لبعض الناشطين، إلا أنه يتوجبـــــ على الجميع دعم هكذا مشـــــاريع تسهم في تشجيع الناس والعامـــــة على إبداء وجهات نظرهم، وتحفيزهم على انتقاد ما يرونه أخطاءً قد تسبب في فشل الثورة".
فيما ترى ريم (ربّة منزل. 31 سنة) أن هذه الصفحات "انعكاسٌ لرأي الشــــارع في بعض الناشطين، وأن بعض من يسمّون أنفسهم ثواراً قد خرجوا عن الواقع، وأن مثل هذه الصفحات قد تعيدهم إلى الشارع الذي انطلقت منه الثورة". بينما يجد أبو محمد (مقاتلٌ. 38 سنة) في هذه الصفحات بعض الفكاهة والمرح في هذه الأيام المليئة بالاحتقان والتوتر والحزن، مما يجعله من المتابعين لها باستمرار.
ويرى حسن (موظفٌ. 29 سنة) في هذه الصفحات حالةً إيجابيةً ولكن، فيقول: "هذه الصفحات حقٌّ مشروعٌ لأيّ إنسانٍ في حال بقيت في خدمة الثورة واستخدمت من أجلها، لا لمصالح شخصيةٍ أو لتصفية حسابات. نلاحظ وجود كثيرٍ من الصفحات المدسوسة التي تهدف إلى النيل من بعض الأشخاص والتجمعات، وهدفها قذف وسبّ بعض الناشطين فقط". وبالفعل فقد نقلت إحدى هذه الصفحات سجالاً مسفّاً دار مؤخراً بين إعلاميٍّ وناشطة سوريين مقيمين في السويد، مما أثار شهية المعلقين لتناول الاثنين بالإدانة الشديدة، وانتهى بمحاولة انتحارٍ أقدمت عليها الناشطة.
أخيراً، ربما تكون هذه الصفحات نواةً لصحافةٍ ناقدةٍ جديدةٍ تبشّر بمستقبلٍ جميلٍ للبلاد، وقد تكون انعكاساً طبيعياً لحرية الرأي والتعبير التي بحث عنها السوريون، وربما تكون مجرّد صفحاتٍ للفكاهة تزرع البسمة وتصنع الضحكة في قلوب الناس المجهدة فحسب. لكن، ومن متابعة السوريين لها بشكلٍ كثيفٍ، تتضح رغبة الشارع في نقد واقعه وتصحيح مسار ثورته. والأهم هو التغيّر الذي حصل في المجتمع السوريّ، الذي قضى أربعة عقودٍ من الصمت والكبت.