الرقة اليوم (1)
في الأمن والخدمات والصحة

شارع تل ابيض - من الإنترنت

على أوجه عدة، يعاني سكان مدينة الرقة من ظروف معيشية شديدة القسوة، تحت سلطة داعش وفي أجواء الحرب متصاعدة الأثر يوماً بعد يوم.

رغم تقلص أعداد عناصر الحسبة (من 500 إلى 150 تقريباً) بنقلهم إلى جبهات القتال، لم يخفف التنظيم من مضايقاته اليومية للسكان، إذ سد الجهاز الأمني والشرطة الإسلامية الفراغ العددي الحاصل في الحسبة دون تقصير في وظائفهما الأصلية. فلم يتراجع الحضور الأمني المتمثل في حواجز التفتيش الثابتة والمتغيرة في الشوارع، والمداهمات الليلية والنهارية على البيوت، والرقابة المشددة على صالات الإنترنت، وغير ذلك من المظاهر. كما لم تتراجع معدلات إنزال العقوبات العلنية، بالجلد أو الصلب أو الإعدام، لمحكومين بتهم مختلفة.

خلال الأسابيع الأخيرة قيدت داعش حركة السكان ومنعتهم من مغادرة المدينة الا بأذونات خاصة، تمنح بالواسطة أو لقاء رشى تدفع لمسؤولين نافذين في التنظيم. ما جعل من مدينة الرقة سجناً كبيراً يصعب الخروج منه دون تتبع مسارات هروب خطرة، بواسطة المراكب عبر نهر الفرات نحو الضفة الجنوبية، أو مشياً على طرق ترابية نحو بلدات وقرى في المساحة الآخذة بالتآكل تحت سيطرة داعش، ثم إلى مناطق «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شمالاً، بتكاليف باهظة (250 دولاراً على الأقل للشخص الواحد للمهربين)، وعلى مرمى القناصين، ومروراً بأحزمة الألغام الأرضية التي زرعتها داعش وأودت بحياة العشرات خلال الأشهر الأخيرة.

حتى الآن، وبالمقارنة مع أعداد الضحايا المرتفعة التي تخلفها غارات التحالف على ريف الرقة، ما زالت المدينة «تنعم» بحرص نسبي على تجنب سقوط مدنيين أثناء الغارات التي تستهدف مواقع ومقرات داعش، من غير أن يسلم محيطها القريب من المذابح التي كان آخرها مقتل خمسة مدنيين قبل أيام في هجوم لطيران التحالف على مركب يقلهم بين ضفتي نهر الفرات جنوب المدينة.

الرقة اليوم محاصرة تقريباً، بخروج الجسرين الموصلين إليها من الضفة الجنوبية لنهر الفرات عن الخدمة بفعل هجمات سابقة لطائرات التحالف، ثم بإحاطة قسد لها مع جوارها الريفي القريب، من الشمال والغرب والشرق، لتصير القوارب النهرية المعرضة لخطر الغارات هي الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع والمؤن إلى المدينة.

ومنذ توقف توليد الطاقة الكهربائية في سد الفرات قبل أسبوعين، تعاني مدينة الرقة من انقطاع كامل للتيار الكهربائي، ومن انقطاع المياه إلا عن بعض الحارات الأقدم وبشكل متقطع ومحدود، قبل أن تعود جزئياً يوم أمس. وعجز ديوان خدمات داعش عن تقديم حلول عملية لهذا الانقطاع رغم تشغيله صهاريج جوالة لتعبئة خزانات عامة في بعض الشوارع والحارات، فوصل ثمن برميل المياه الخامية –من النهر مباشرة دون تنقية- إلى أكثر من (500) ليرة أحياناً.

سبّب تلوث مياه الشرب المتواصل، نتيجة عجز داعش عن تأمين مادة الكلور منذ أكثر من عام، أنواعاً مختلفة من الأمراض، مثل التهاب الكبد الفيروسي (A) وأمراضاً معوية وبعض الالتهابات الرئوية الحادة. كما تسبب تراجع الخدمات البلدية والنظافة في تجدد موجات اللاشمانيا وخاصة في الأحياء الطرفية من المدينة. وتردد، من غير تأكيد، ظهور (5) حالات كوليرا و(5) لشلل الأطفال نشأت بسبب محدودية حملات التلقيح التي يسمح بها التنظيم وتأخرها.

تعمل في مدينة الرقة اليوم (8) مشاف خاصة صغيرة ومتوسطة، إضافة إلى المشفى الوطني الذي صارت خدماته مأجورة بأوامر من ديوان صحة داعش. ويبلغ عدد الأطباء في مشافي المدينة وعياداتها نحو (40) تقريباً، وهو عدد ضئيل جداً أمام عدد السكان الحالي المقدر بنحو (180) ألفاً. كما لا يزيد عدد الصيدليات على (35) صيدلية. ودفعت الضرائب التي فرضها التنظيم على المشافي والعيادات والصيدليات الخاصة، فضلاً عن ظروف الحرب وتقطع الطرق إلى المدينة، إلى ارتفاع تكاليف العلاج بما يفوق قدرة معظم المرضى. ويعاني المصابون بأمراض مزمنة أكثر من غيرهم بسبب حاجتهم الدائمة إلى العلاج، فقد ارتفعت أسعار الأنسولين اللازم لمرضى السكري إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل القفزة الأخيرة، وكذلك يعاني (16) مريض سرطان من غلاء الأدوية، فيما توقفت (8) من أصل (11) جهاز غسيل كلوي تخدم (66) مريضاً مسجلاً في المدينة، وبلغت تكلفة جلسة الغسيل (40) دولاراً، ولا يقل عدد الجلسات اللازمة للمريض عن اثنتين أسبوعياً.