الحشيش والحبوب المخدّرة في سورية اليوم

خاص عين المدينة

انتشرت ظاهرة الإدمان على الحشيش (القنّب الهندي) والأدوية المخدرة في معظم أنحاء سوريا بشكلٍ كبيرٍ خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً بين جيل الشباب من 18 حتى 35 عاماً، نتيجة ظروف الحرب والفقر والجهل وغياب الرقابة القضائية والصحية، سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أو المناطق المحرّرة، وإن تباينت التفاصيل. ولنلقي الضوء على هذه الظاهرة أجرينا هذا التحقيق في مدينة اعزاز بريف حلب الشماليّ.

الحشيش إدمان «كيف» وليس إدمان «دم»

يقول محمد (32 سنة): «يختلف مصدر مادة الحشيش بحسب المواسم، ففي الشتاء تأتينا من منطقة بعلبك في لبنان، وفي الصيف تأتينا من أفغانستان. وهي بذرة حمراء. يتراوح سعر كل وزنة (25 غ) بين 14000 و20000 ليرة. تصنع الوزنة ما يقارب 40 سيجارة، والمعدل الوسطيّ لمن يتعاطى هذه المادة خمس سيجارات في اليوم. تتراوح أعمار معظم الذين يتعاطون الحشيش بين الـ20 والـ35 سنة، وفي السنوات الأخيرة رأيت شباباً بعمر الـ15 سنة يتعاطون».

زاد عدد مروّجي الحشيش فصرنا نراهم في الطرقات، أما قبلاً فكان محصوراً في أيدي عددٍ قليلٍ من التجار. الآن صار كثيرٌ من الناس يبيعونه، «صارت شغلة اللي ما لو شغلة»، وخصوصاً بعد تضاعف أسعاره فأصبح تجارةً مربحة. وتحوّل الكثير من المتعاطين، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، إلى مروّجين لهذه المادة، يبيعونها لتأمين المال اللازم «لفكّ» الحشيش الذي يستخدمونه.

ويعلل محمد اختلاف سعر الوزنة من «معجونة الحشيش» حسب نوعها، فمعجونة بعلبك «أتقل وبتعبّي الراس أكتر من الأفغانية». ويضيف: «معظم الحشاشين يعرفون أن الحشيش إدمان نفْس. نفسك بتطلبه، مو متل السيجارة العادية أو المخدرات دمك بيطلبها. ولذلك ترى المتعشقين في الحشيش عند انقطاعه يبحثون عن أي طريقةٍ لجلبه... بيبيع خاتم المرة، بيبيع تيابه، بيسرق بيت، بينشتر، مو مهم! المهم أنه يحصل على الحشيش».

«الحشيش ندل»، هذا ما قاله أبو الطيب (28 سنة) أحد المتعاطين في المدينة. فعندما تتعاطى هذه المادة تعيش مع أوهامك، وتكون حركتك بطيئة، وتشعر بالخوف حتى من «كأس ماء». وعن سبب تعاطيه قال: «في إحدى السهرات أعطاني أحد أصدقائي سيجارة حشيش فشعرت بالسعادة، فقد هربت من الواقع الذي أعيشه ومن الطائرات والضرب ومشاهد القتل. صرت أتردد عليه كل يومٍ لإعطائي سيجارة، ثم تطورت الحالة فصرت أشتري. يسميه صديقي «كيفة» وأنا أشعر فعلاً بذلك عند شربه، وخاصةً في الساعة الخامسة صباحاً مع طلوع الفجر، ذلك أفضل وقتٍ لتناول الحشيش».

مازن أحد مروّجي هذه المادة من مدينة حلب، واستقرّت به الحال بعد نزوحه من حيّ الحيدرية في اعزاز، يقول: «يأتينا الحشيش من لبنان عبر تجارٍ في النظام، أو من أفغانستان عبر تركيا، وبكمياتٍ كبيرة، نفرزها حسب الأنواع وبشكل وزنات (25 غ) ونبيعها. زادت الكميات التي تأتينا في الفترة الأخيرة مع ازدياد عدد المتعاطين، فمعظم الناس في حاجةٍ إلى الهروب من الواقع الذي يعيشونه».

وعن الزراعة قال: «لم تكن هناك زراعة للحشيش في سورية، ولكن في بداية 2013 قام تنظيم الدولة بزراعته في منطقة حريتان ضمن مزارع محميةٍ لا يستطيع أحدٌ الوصول إليها، وأيضاً في قباسين في الريف الشرقيّ، وذلك بهدف التمويل. وصار الحشيش يُزرع أيضاً في مدينة عفرين التي تسيطر عليها قوات الحماية الكردية، وفي بعض قرى إدلب، وسمعت أن هذه الزراعة تحارب من قبل القائمين على تلك المناطق وتحرق وتصادر موجوداتها. لم أرَ هذه المزارع ولا أيّ كميةٍ منها، ولكن الاحتمال القائم أنها تهرّب إلى تركيا وتغلف ثم تعاد إلينا».

يقول الحاج أبو محمد، وهو أحد سكان مدينة اعزاز القدامى: «صرت أرى هذه الظاهرة في البيوت التي أزورها، حتى أني رأيت بعض الآباء والأبناء يشربون الحشيش سوياً أمام عائلاتهم!». ويعزو السبب إلى «الانهيار الأخلاقي والديني، «ما ضل عيب». ونتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية وظروف الحرب، لم تعد هناك سلطةٌ للأب على ابنه. ومع غياب الآلية الرقابية القضائية التي لم تعد تحاسب الأشخاص على تعاطي هذه المواد صرت تراها في الطرقات وفي محلات السمانة وعند بائعي الدخان».

أحمد قبلان، معالجٌ نفسيٌّ في اعزاز، قال: «انتشرت ظاهرة تعاطي الحشيش بكثرة، فأنت تلاحظ المظاهر التي يعاني منها المتعاطون -من شراهةٍ في الطعام وإسهالٍ واحمرارٍ في العين وبطءٍ في الحركة وعدم توازن- عند كثيرٍ من الناس وفي الطرقات. لا توجد أيّ رقابة، كما لا توجد مراكز لمعالجة الإدمان في المنطقة».

أما الأستاذ عبد الحليم الحايك، ماجستير في الاقتصاد ومدير مركزٍ للدعم النفسيّ في المدينة، فقال: «يعدّ الدافع الاقتصاديّ وشراهة التجار للربح الهدف الأول من ترويج هذه المادة. وتعدّ اعزاز منطقةً مؤهلةً لذلك نظراً لموقعها الحدوديّ. لا أعتقد أن هناك توجهاً لتخريب عقول الشباب، مع العلم أن هذه المادة ستؤذي معظم أبناء هذا البلد على المدى البعيد».

52872

«حبوب الوش» المخدّرة أخطر من الحشيش

تعدّ الأدوية التي تستخدم لأغراض المعالجة النفسية أخطر من الحشيش وحتى من الكوكائين، وذلك لتأثيرها الأكبر وسهولة إخفائها ورخص ثمنها، فهي في متناول الجميع، ولذلك تنتشر في الآونة الأخيرة حتى بين بعض النساء. وهي حبوبٌ تدعى «حب الوش»، كالترامادول والبركسيمول (ديكستروبوكسيفين) والبالتان (بنزهكسول). ويؤدي استخدامها بطريقةٍ خاطئةٍ إلى الإدمان، وتعمل على تخريب الدماغ، وقد تؤدي الجرعات الزائدة منها إلى الموت.

يقول الصيدلي خالد إن «الأكثر انتشاراً بين الحبوب هو الترامادول، وبعيارات 50 ملغ و225 ملغ هندي المنشأ. وهناك ظاهرةٌ جديدةٌ هي التصنيع المحليّ غير القانونيّ للترامادول، ولا توجد معلوماتٌ دقيقةٌ عن فعاليته أو أمانه أو مكان تصنيعه. ويأتي البرازولام في المرتبة الثانية، لكن البعض يتجنبه ﻷثره المنوم. ويأتي الكوديين ثالثاً، ثم الديازيبام وديكستروبروكسيفين وبسودوايفدرين».

وتعدّ الصيدليات ومستودعات الأدوية المصدر الأهم للحصول على هذه المواد التي تصنّع في معامل الأدوية السورية وتنقل إلى المناطق المحرّرة عن طريق تجارٍ في مناطق النظام. كما يتم استيرادها من الدول المجاورة، وخصوصاً مادة الترامادول التي تأتي من الهند عبر الحدود التركية، والبالتان الذي يأتي من تركيا على شكل مشدّ (كيس يربط بحبل) يحوي ألف حبة.

ويعزو الصيدلي خالد كثرة تعاطي هذه الحبوب إلى «اﻹحباط والخوف والفقر، وكثرة اﻹصابات الجسدية نتيجة الحرب وعدم القدرة على تحمل اﻷلم التي لا تنفع معه المسكنات المركزية، فيلجأ الأطباء إلى هذه المواد للتسكين، ومع استمرار استخدامها يتحوّل المصاب إلى مدمن. بالإضافة إلى أن أسعار هذه الأدوية رخيصةٌ جداً، إذ لا تتجاوز الدولار للعبوة ذات 20 حبةً من أيّ صنفٍ دوائيّ، وأحياناً لا تتجاوز 20 سنتاً للعبوة الواحدة».

بينما يرى المحامي أحمد أن أحد أهم الأسباب هو «تقديم هذه الحبوب للمقاتلين لتثبيتهم في المعركة، فهذه المواد تجعل المتعاطي لا مبالياً ولا يشعر بالخوف أو بالألم، لأنها تدخله في حالةٍ من الذهول وعدم الإدراك. وكما أن هناك دولاً سعت إلى قتل الإنسان السوريّ بمختلف أنواع الأسلحة، فقد سعوا أيضاً -بكل إمكانياتهم الفكرية والمالية- إلى قتل الانسان وتدميره بالمواد المخدرة. فمن لم يستطيعوا قتله بالصواريخ الارتجاجية قتلوه بالحشيش والحبوب».

ويتابع: «الكثير من القادة في الفصائل المسلحة أسهموا -لغايةٍ ربحية- في إدخال ملايين الحبوب المهدئة وبيعها في الأسواق. إضافةً إلى غياب القوانين الرادعة التي تمنع تداول هذه المواد وبيعها، إذ تكتفي المحاكم القائمة بمحاسبة بعض المتعاطين وتترك التجار بلا رقابة. وتتراوح عقوبة المتعاطي بين السجن لستة أشهرٍ وغرامة 100000 ليرة، في حين كانت تصل في السابق حتى الإعدام».

ويعتبر الأستاذ أحمد أن «القوانين والنظم والقرارات تستمد قوتها من قوة النظام الحاكم والدولة الواحدة، وهذا الأمر غير متوافر في منطقتنا حيث يسيطر كل فصيلٍ على شارعٍ أو قريةٍ ويعدّ الحاكم الفعلي فيها». أما عن دور مديرية صحة حلب الحرّة فيقول: «لا تستطيع مديرية الصحة -الغائبة تماماً عن الساحة- فعل أي شيءٍ مع وجود السلاح والرغبة الجامحة عند المتنفذين وبعض القادة لجمع أكبر كميةٍ من الدولارات».

هندي

والحل؟

يقول الصيدلي خالد: «دون استتباب اﻷمن وقيام دولةٍ حقيقيةٍ فإن البحث عن حلٍّ صعبٌ جداً. مجتمعنا الإسلاميّ يحرّم المخدرات قطعياً، إلا أن وجودها القانونيّ كأدويةٍ أعطى رخصةً لانتشارها. الحل في تكثيف الرقابة على الصيدليات، أو توقف إنتاج هذه المواد كلياً، والسيطرة على الحدود لمنع التهريب، وتوعية اﻷهل».

من جانبه يقول الأستاذ عبد الحليم: «يكمن الحل في حملات التوعية التي توضح مخاطر هذه الحبوب وآثارها في وسائل التواصل الاجتماعيّ وخطب الجمعة في المساجد، وإنشاء مراكز لمعالجة الإدمان».

أما المحامي أحمد فيقول: «يجب أن تكون هناك قوانين رادعة تطبّق على الجميع، وتشديد عقوبات المروّجين، وضبط الحدود. كما يجب أن تشكل مديرية الصحة لجنةً لملاحقة الأطباء والصيادلة الذين يتاجرون بهذه المواد».