التسرّب الدراسيّ في الجنوب السوريّ...
ظاهرةٌ تتفاقم بسرعة، ونقصٌ في متطلبات علاجها

بلدة كودنة - القنيطرة - خاص عين المدينة

سامر أحد أطفال مخيم تل عكاشة في ريف القنيطرة، ممن خطفت الحرب بريق حياتهم ووهج طفولتهم. هُجّر سامر، البالغ من العمر نحو ثماني سنوات، من بلدة كفرناسج في ريف درعا الشماليّ، ليستقر مع عائلته في ذلك المخيم الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة. يحنّ سامر إلى لمسات والدته وصوتها الذي كان يوقظه صباحاً ليذهب إلى المدرسة التي لم يتابع الدوام فيها بعد أن دمرتها قوات النظام إثر سيطرة فصائل الثوار على بلدته. ومنذ تهجيره وعائلته، ثم انتقاله إلى المخيم، كان نموذجاً سوداوياً لكثيرٍ من الأطفال السوريين الذين شرّدتهم الحرب ومنعتهم حقهم في متابعة تحصيلهم العلميّ.

يقول السيد أبو سامر إن ظروفاً صعبةً تحول دون أن يكمل ولده والعشرات من أصدقائه تعليمهم، فلا خيام تعليمية في المخيم، وأقرب مركزٍ تعليميٍّ يبعد عدة كيلومترات، أي أنه يحتاج إلى وسيلة نقلٍ يوميةٍ وهو ما لا يتوافر بطبيعة الحال، كما أن إمكانية التعليم ضمن العائلة غير متاحةٍ لأن الأب والأم أميّان، وهذا ما يزيد من معاناة أطفالهما.

أما أم علي، وهي إحدى القاطنات في بريقة بريف القنيطرة، فتشتكي أيضاً من عدم وجود مركزٍ تعليميٍّ في القرية بالرغم من التجمع السكانيّ الكبير فيها، مما يضطر بعض الأطفال إلى سلوك مسافةٍ كبيرةٍ باتجاه بلدة كودنة المجاورة، في حين لا يتمكن بعضهم الآخر من ذلك.

السيد أبو محمد، مدير إحدى المدارس في ريف درعا الشماليّ، قال لمجلة «عين المدينة» إن ظاهرة التسرّب المدرسي تفاقمت كثيراً خلال السنوات الماضية، لتصل في الوقت الحالي إلى ما نسبته 30%. ويعود ذلك إلى أسبابٍ عديدةٍ منها الدمار الكبير في البنية التحتية التعليمية، خصوصاً المدارس والحضانات، وكذلك هجرة أعدادٍ كبيرةٍ من العائلات وتبدل أماكن سكنهم في حالةٍ كبيرةٍ تتمثل بالهجرة الداخلية. كما يعدّ الفقر الذي تعاني منه بعض العائلات أحد أسباب التسرّب، إذ يقوم بعض الأطفال بالعمل لمساعدة أهلهم، ليشكلوا نموذجاً للعمالة المبكرة غير الشرعية. فكثيراً ما بتنا نلاحظ في الشوارع أطفالاً يبيعون البنزين والمازوت، وكذلك صاروا يستخدمون في نقل حمولاتٍ كبيرةٍ لا تناسب أعمارهم وتؤثر على صحتهم الجسدية.

يؤكد السيد أبو محمد إن نتائج التسرّب المدرسيّ خطيرةٌ جداً، ولا سيما مع تراكمه على مدى سنواتٍ مضت. فهي، بالضرورة، ستؤدي إلى ارتفاع مستويات الجهل والأمية لدى فئة المتسرّبين، ما قد يجعلهم فريسةً سهلةً للانحراف الاجتماعيّ وازدياد معدلات ارتكابهم للجريمة نتيجة تراجع وعيهم التربويّ والثقافيّ. كما سيؤدي ذلك إلى انخفاض إنتاجيتهم نظراً لعدم مواكبتهم التطور العلميّ والمعرفيّ. وسيؤدي كل ذلك في النتيجة إلى خلق جيلٍ غير قادرٍ على التلاؤم مع متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

السيد أبو المجد، أحد الناشطين في مجال الدعم النفسيّ والتعليميّ، قال لـ«عين المدينة» إن سبلاً كثيرةً يمكن اتباعها للتقليل من التسرّب المدرسيّ أو معالجة آثاره، وهذا يتطلب إعداد دراساتٍ على المدى القريب والبعيد ليتم تنفيذها وفق الإمكانات المتاحة. فمن وجهة نظره يمكن القيام بصيانة وترميم المدارس المتضرّرة وتقديم المساعدات، من حقائب وقرطاسيةٍ ومستلزماتٍ مدرسية، لطلاب المدارس المستصلحة. ويمكن تنظيم حملات توعيةٍ تتضمن عروضاً مسرحيةً ومحاضراتٍ وتوزيع منشوراتٍ في المدارس والأماكن العامة ومخيمات المهجرين، لتنبيه الأهالي إلى خطورة هذه الظاهرة وحضهم على متابعة تدريس أبنائهم بشتى السبل. كذلك يمكن تزويد تجمّعات المهجرين بخيمٍ تعليميةٍ تعوّض عن عدم وجود مدارس في المخيمات أو في المناطق القريبة منها. كما يقترح أبو المجد افتتاح مراكز تعليميةٍ تقوم بتكثيف الحصص للمتسرّبين بحيث يمكنهم اللحاق بأندادهم ممن يتعلمون في المدارس. كما يمكن القيام بمشاريع مهنيةٍ صغيرةٍ منظمةٍ في مخيمات المهجرين تعمل على دعم عائلات الطلاب المتسرّبين وتحسين سبل عيشهم.

في النهاية يعود أبو محمد ليقول إن ارتفاع نسب التسرّب المدرسيّ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرب الدائرة في سورية، وهو يرجو أن تحمل الأيام المقبلة حلاً يعيد الأمور إلى نصابها، خصوصاً في مجال تحسين مستوى التعليم والتقليل من مستويات التسرّب المدرسيّ.