طفلة مصابة بالحصبة | البصيرة
عند التقاء نهر الخابور بنهر الفرات، وعلى مسافة 45 كم شرق دير الزور، تقع البصيرة؛ تلك المدينة الصغيرة التي تتمتع بموقعٍ متميّزٍ وأرضٍ خصبةٍ هيأت لها أن تكون مدينةً معمورةً على مرّ العصور، لكن أرضها الخصبة وتاريخها العريق لم يمكّناها من الفوز بما تستحقه من عناصر الحياة الطبيعية.
منذ أشهرٍ عديدة، تعاني البصيرة من ظروفٍ غايةٍ في الصعوبة فيما يتعلق بالوضع الصحيّ بشكلٍ عام. فمع تزايد التعداد السكانيّ فيها بسبب النزوح، ينخفض أيضاً، وبشكلٍ كبير، مستوى الخدمات الصحية التي يمكن أن تقدّم للمواطنين. وللحديث عن هذا الأمر التقينا بالسيد سائد المصطفى، أحد العاملين في المجال الطبيّ في ناحية البصيرة، الذي حاول أن يقدم من خلال "عين المدينة" فكرةً عن وضع مدينته من الناحية الصحية، ومعاناة الأهالي جرّاء هذا الوضع، فقال: يبلغ تعداد سكان البصيرة 89 ألف نسمة من أهاليها، يُضاف إليهم 16 ألف نازح جاء معظمهم من مدينة دير الزور مركز المحافظة. تضم الناحية بلدات وقرى هي: برشم، بريهة، البصيرة، ضمان، الحجنة، حطين، الحلوة، الكسار، ماشخ، الصبحة، الشحيل، السكر، طيب الفال، التوامية، الزر.
وهي كانت تعاني أساساً قبل الثورة من تقصيرٍ كبيرٍ فيما يتعلق بالوضع الصحيّ، مثلها مثل العديد من مناطق دير الزور. فقد كانت الناحية تضم ثلاثة مراكز صحية فقط هي مركز الصبحة ومركز البصيرة ومركز حجنة، والتي لم يكن عملها يتعدّى المهمات الروتينية من إعطاء اللقاح الروتينيّ الذي يأتي من مديرية الصحة، وعلاج بعض الجروح والإسعافات الأولية. وكانت الناحية تحوي مشفى توليد. تغيّر هذا الحال مع بدء الثورة وبدء القصف الهمجيّ الذي طال المحافظة، إذ تمّ إخراج المشفى الوحيد العامل في الناحية من الخدمة وتم تحويله إلى مأوىً للنازحين، وكذلك أحرق المركز الصحيّ في الناحية وصار خارج الخدمة هو أيضاً، كما تم قصف مركز حجنة الصحي وإخراجه من الخدمة. لتبقى البصيرة، وما يحيط بها من بلدات، دون أي شكلٍ من أشكال الخدمات الطبية. إلى أن تمّت محاولة تجهيز غرفةٍ كانت قابلةً للصيانة من المشفى لاستخدامها كمستوصف، لكنه لا يعمل إلا حين يأتي لقاحٌ من مديرية الصحة، وهذا أمرٌ قليل الحدوث.
بعد ذلك تمّ افتتاح مركزٍ طبيٍّ "خاصٍّ" من قبل بعض الشبّان في المدينة، يقدم خدماته للأهالي بأسعارٍ مناسبة. ويعتبر هذا المركز المكان الوحيد الذي يقدّم رعايةً طبيةً حقيقية. وفشلت كل المحاولات الهادفة إلى إعادة تأهيل المشفى والمركز الصحيّ، بسبب وجود عددٍ من العائلات فيه. وبالرغم من أن خطر القصف الجويّ من قبل النظام قائمٌ في كلّ لحظة، إلا أن المرافق الصحية في المدينة تفتقد إلى الخدمات الطبية التي تمكنها من مواجهة أي طارئ. وأيّ جريحٍ يصاب هنا يتم نقله إلى منطقة الميادين التي تبعد عن البصيرة أكثر من 25 كم، مما يهدّد بخسارة الكثير من المصابين. يضاف إلى ذلك أن الموظفين في قطاع الصحة قبل الثورة من خارج الناحية توقفوا عن العمل بعد توقف المشفى والمركز، مما أدى إلى تراجع الوعي الصحيّ، وصارت البصيرة مكاناً لانتشار العديد من الأمراض، كشلل الأطفال الذي تتم معالجته الآن ومحاولة احتوائه، إذ ظهرت في البصيرة حالتان له. ولكن هناك العديد من الأمراض تنتشر الآن ولا أحد يحرك ساكناً ليحاول احتوائها؛ لا قطاع الصحة التابع للنظام، ولا الجهات الصحية التابعة للمعارضة، مما ينذر بتفاقمها. ولعل أكثر هذه الأمراض خطورةً مرض الليشمانيا (حبة حلب) 200 حالة إصابة، الجرب 100 حالة تقريباً، الجدري 5 حالات.