الاقتصاد الريفي في دير الزور في ظل سيطرة «قسد»

خاص من أرشيف عين المدينة

بوصفها مهنة رئيسية لمعظم السكان في الجزء الخاضع لسيطرة "قسد" بمحافظة دير الزور، تعدّ الزراعة عاملاً رئيسياً في تحقيق الاستقرار بجانبه الاقتصادي على الأقل. لكن ما حدث وخلال الموسمين الزراعيين الأخيرين، هو إهمال شبه كامل من الدول المهتمة بهذه المنطقة ومن المنظمات الدولية غير الحكومية ومن (مجلس دير الزور المدني) التابع ل"الإدارة الذاتية" لهذه المسألة شديدة الأهمية.

لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد السكان من أهالي ونازحين في الجزء الخاضع لسيطرة "قسد" في محافظة ديرالزور، غير أن التقديرات أو المسوحات الجزئية لبعض المنظمات تكشف عن (10) آلاف أسرة نازحة في الريف الغربي، وعن مثلها تقريباً في الريف الشرقي، فيما يقدّر عدد الأسر النازحة في حوض نهر الخابور بنحو (5-6) آلاف أسرة، وآلاف غيرهم يصعب تقدير أعدادهم في تجمعات عشوائية متفرقة ومتغيرة على الدوام في بادية الجزيرة الواسعة. وعلى هذا سيزيد العدد الكلي التقريبي للنازحين المنتشرين ضمن الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور في الجزء الخاضع ل"قسد" على (100) ألف نسمة، فيما تذهب التقديرات لأعداد السكان من أهالي الريف الغربي والشرقي والشمالي، إلى حدود (350-400) ألف نسمة، فيكون العدد الإجمالي التقريبي للسكان بفئتيهم -أهالي ونازحين- أكثر من نصف مليون نسمة، بأقل التقديرات.

ثمة فرق واحد رئيسي بين ظروف الأهالي من سكان القرى والبلدات الذين يقيمون في بيوتهم وظروف النازحين، وهو أن الفئة الأولى تتمتع باستقرار نسبي، وبشبكة تكاتف وحماية أهلية بمن يحيط بها من أقارب وجيران، وفي غير هذا لا تبرز فروق هامة بينهما؛ حيث تمر الزراعة، وهي المهنة الرئيسية لغالبية السكان -من الأهالي-، بحالة انهيار كامل، نتيجة لتوقف مشاريع ري حيوية خاصة في الريف الشرقي، لا سيما مشروع جر مياه نهر الفرات إلى الخابور، ومشروع الري الممتد بين قرية الزر وبلدة الطيانة. يعني ذلك حرمان أكثر من (50) ألف هكتار أرض صالحة للزراعة من مياه الري، ويجعل أكثر من (50) ألف فلاح تقريباً عاطلين على العمل، وبفرض متوسط مساحة الاستثمار للفلاح الواحد هي (10 دونم = 1 هكتار). وحين تتوافر مياه الري، تبرز العوائق الأخرى مثل ارتفاع أسعار الوقود والبذار والسماد والأدوية الزراعية، ما يهوي بالإنتاج إلى مستويات دنيا، كما حصل في موسم القطن الأخير، وقبله موسم الحبوب.

لا يقتصر انهيار الاقتصاد الريفي على جانبه الزراعي فقط، حيث يعاني الجانب الآخر، وهو تربية المواشي، من انهيار مماثل، نتيجة للجفاف في موسم الأمطار الأخير من جهة، وارتفاع أسعار الأعلاف وضمانات الأرض الزراعية من جهة أخرى، لينخفض سعر رأس الغنم أحياناً إلى (10) آلاف ليرة (20 دولاراً تقريباً) في بعض المزادات، ما يجعل تربية الأغنام مهنة خاسرة، وكذلك الحال في تربية الأبقار التي يعاني مربوها، وإن بدرجة أقل، من مشكلات مشابهة.

 انهيار الزراعة وانهيار الثروة الحيوانية،  تسببا بشلل شبه كامل في دورة الإنتاج بهذه المناطق، الأمر الذي حرم اقتصادها من موارد ذاتية هامة، كانت لو تحصّلت ستخرج مئات الآلاف من دائرة العوز والحاجة، وستمتد فوائدها إلى النازحين كذلك، بتشغيلهم كعمال زراعيين (للفلاحين منهم) وتشغيل الحرفيين وأصحاب المهن الحرة الأخرى.

 لم تبدِ المنظمات الدولية غير الحكومية، الممولة من الدول الغربية، أي اهتمام مفترض بالمسألة الزراعية أو بتربية الماشية، ولا أبدى (مجلس دير الزور المدني) التابع ل"الإدارة الذاتية" الاستجابة المطلوبة، بل شكّل في حالات عدة أحد العوائق أمام محاولات متفرقة لإطلاق مشاريع زراعية في قرى وبلدات عدة، نتيجة لتحكمه -الظاهر- بعملية تأسيس المنظمات المحلية، ثم بمجريات عملها بعد التأسيس. وحتى الآن، وبعد مرور عام إلى عدة أشهر على وقوع الشريط الممتد على مسافة (150) كم بمحاذاة الضفة اليسرى لنهر الفرات، بين بلدة جزرة الميلاج في الريف الغربي وبلدة غرانيج في الريف الشرقي- لا يزيد عدد المشاريع الزراعية المنفذة على عدد أصابع اليد الواحدة، وبنسبة منتفعين هامشية جداً قياساً بعدد السكان.