الائتلاف متمسكٌ بتنحية طاغية دمشق
الأسد يسلّم سلاحه الرادع لإسرائيل.. وموسكو تتنازل من أجل جنيف2
في الوقت الذي ما زال الائتلاف السوري المعارض يعلن، عبر قنواته الرسميّة وغير الرسميّة، أنه لن يحضر مؤتمر جنيف2، لعدم وجود ضماناتٍ تستبدل بحكم الأسد حكومةً انتقاليةً تشرف على تنفيذ بنود أيّ اتفاقٍ محتملٍ بما فيها الانتخابات؛ يدور الحراك السياسي بين قطبي المعادلة دولياً (موسكو ـ واشنطن) على مبدأ (كسر العظم) الديبلوماسي، ويحاول كل طرفٍ انتزاع ما يمكن انتزاعه من تنازلاتٍ من الطرف الآخر قبل بدء المؤتمر، الذي ما زال يشكل محور انقسامٍ على صعيد أقطاب المعارضة السورية وداخل كواليس الائتلاف السوري المعارض نفسه.
الموقف الأميركي لم يتغيّر بالنسبة إلى تأسيس حكومةٍ انتقاليةٍ في سورية بصلاحياتٍ تنفيذيةٍ كاملة، فهو ما زال مصرّاً على عناصر بيان جنيف1، مع غموضٍ بما يتعلق برحيل رأس النظام السوري.
وتشهد الأيام المقبلة اتصالاتٍ مكثفة بين «مجموعة لندن» التي تضم 11 دولة من «مجموعة أصدقاء سورية»، بهدف الوصول إلى موقفٍ موحّدٍ من مؤتمر جنيف 2 لإبلاغه إلى قيادة الائتلاف الوطني السوري في اجتماعها يومي 24 و25 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
وبالرغم من حجم الجرائم المتزايد التي يقترفها نظام الأسد بحق السوريين، ينشغل القطبان الدوليان المحرّكان للحرب والسلم في سوريا بالملف الكيماوي. إذ نجحت موسكو في تجنيب حليفها الأسد ضربةً عسكريةً كانت ستكون قاصمة، ونجت إدارة أوباما واشنطن من احتمال تورّطها في حملةٍ عسكريّةٍ ربما تطول وتجبرها على الدخول طرفاً في "حربٍ أهليةٍ" تحرجها أمام الكونغرس. وجاء ذلك بعد مفاوضاتٍ شاقةٍ أدّت إلى إصدار قرارٍ بالإجماع في مجلس الأمن يلزم النظام السوري بتسليم سلاحه من أجل تدميره، دون الإشارة إلى الجهة التي ارتكبت مجزرة 21 آب (أغسطس) الماضي بريف دمشق، ومن غير إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية ولا الاستعانة صراحةً بالفصل السابع، بل مجرّد التلويح به إن تلكأت دمشق في تنفيذ تعهداتها.
وفي تنازلٍ تاريخيٍّ عن سلاحه الردعي لإسرائيل مقابل إطالة عمر بقائه في السلطة، يسمح الأسد بدخول الفريق الأممي دمشق ليبدأ بحملة انتزاع الكيماوي منذ الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، ولتعلن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية OPCW أنها تحققت من أحد عشر موقعاً ودمّرت تجهيزاتٍ للإنتاج في ستة مواقع، ويتورّط وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتصريحاتٍ مدائحيةٍ للأسد، فتحاول الخارجية الأميركية العودة عن تصريحاته وتؤكد أنه ليس هناك حاجة لمدح النظام فيما يطلق صواريخ سكود ويفجّر المدارس.
خلال الأيام الماضية، استطاع المعسكر الغربي انتزاع 3 تنازلاتٍ أساسيةٍ من موسكو بخصوص الأسد، أولها قبول روسيا بعودة الملف السوري مباشرةً إلى مجلس الأمن إذا تبيّن للمفتشين الدوليّين أن النظام يراوغ، والثاني قبولها أن ينصّ قرار مجلس الأمن على ضرورة سوق المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا إلى العدالة الدولية، ولكن من غير تحديد الجهة التي ستتولى مهمة المحاسبة ولا الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيماوي، أما التنازل الثالث فيكمن في قبول موسكو اللجوء إلى الفصل السابع كاحتمالٍ أخيرٍ رادعٍ للنظام السوري، ولكن بعد العودة الى مجلس الأمن.
وفي هذه السياقات الدولية أمام محاولات الأسد المتكالبة لإطالة مدّة استئثاره بالسلطة، يتفق الائتلاف المعارض برئاسة أحمد الجربا، وأركان الجيش الحرّ بقيادة اللواء سليم إدريس، على رفض أي حوارٍ مع النظام، والانطلاق من ثابتة تنحّي الأسد وانتقال السلطة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب لدى الدخول في أي عمليةٍ تفاوضيةٍ.
وفيما خصّ الأطراف الإقليمية المعنيّة بالشأن السوري، تفاجئ تصريحاتٌ إيرانيةٌ رسميةٌ المجتمع الدولي بعدم إصرارها أو تحمّسها للمشاركة في جنيف2، وهو ما تفضّله المعارضة السورية، وفسّر محللون ذلك بأنه مراوغةٌ سياسيةٌ هدفها تليين موقف واشنطن من ملفها النووي. إلا أن المفاجأة الأكثر إثارةً هي رفض السعودية عضوية مجلس الأمن، معبّرةً بذلك عن أقصى درجات الاستياء إزاء فشل المجتمع الدولي في مساعدة الشعب السوري الذي يتعرّض لأبشع أنواع الجرائم على يد النظام الحاكم منذ نحو سنتين ونصف السنة.