الأسماك الفراتيّة، ثروةٌ برسم الزوال

ليلاً، وفي عرض النهر، نلمح قارباً يستخدم الصعق الكهربائيّ في عملية الصيد. ودون أيّ حذرٍ يعود الصيادان إلى الشاطئ، ويسخران من سؤالنا لهما عن معرفتهما بأثر أسلوب الصعق المدمّر للأحياء النهرية، ويعتذر أحدهما هازئاً بأن طريقة الصيد هي شأنٌ شخصيّ، لا يحقّ لأحدٍ التعليق عليه أو السؤال عنه.

تبلغ مساحة مسطّحات المياه العذبة في سوريا 1600 كيلومترٍ مربع، ويشكّل نهر الفرات - مع بحيرة الطبقة الاصطناعية - أهم موطنٍ لأسماك المياه العذبة فيها. ويقدّر عدد الأنواع السمكية التي تعيش فيه بحوالي 38 نوعاً، وفق إحصائية المشروع السوريّ الألمانيّ لتطوير الثروة السمكية في المياه الداخلية السورية. بعض هذه الأنواع مهددٌ بالانقراض؛ كسمك الفرخ، والرومي، وربما انقرض بعضها الآخر بشكلٍ نهائيّ، كسمك الكرسين المرقط "الصخري"، والذي اختفى من مياهنا منذ أوائل التسعينات. علماً أن الجهة التي أجرت الإحصاء تؤكد، في دراسةٍ أخرى، أنه لو تم استثمار كامل المياه الداخلية في سورية من خلال استزراعٍ سمكيٍّ منظم، إضافةً إلى الإنتاج الطبيعي، لأعطت كميةً تكفي لأن يتناول كلّ مواطنٍ سوريٍّ ما يعادل 1 كيلو غرامٍ من السمك أسبوعياً.
وشهد الفرات خلال العقود الماضية تدهوراً كبيراً على المستوى البيئي، وذلك لتلوثه من مصادر عدّةٍ أبرزها شبكات الصرف الصحي لمئات البلدات والمدن والقرى على طول النهر،
وما تحمله من ملوّثاتٍ كيماويةٍ ناتجةٍ عن النشاطين الصناعيّ والزراعيّ المرتبطين بهذه الشبكات، مما أثر بشكلٍ كبيرٍ على الثروة السمكية. ومما زاد الطين بلةً الصيد الجائر كماً وكيفاً، سواءً باصطياد كمياتٍ أكثر بكثيرٍ من السقف المسموح به للصيد، أو باستخدام وسائل الصيد غير المشروعة كالصعق الكهربائي، أو القتل بالديناميت، أو السم كاللانيت وغيره. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تتم المحافظة على هذا النهر وما فيه من ثروةٍ سمكيةٍ من خلال إجراءاتٍ صارمةٍ تحاسب بشدةٍ من يخرّب ويعبث بهذه الثروة العظيمة؟ وما هي الآليات التي تمّ فيها هذا التخريب؟ وهل هو تخريبٌ ممنهجٌ أم أنه نتاجٌ لحالة التردّي العام التي تعيشها البلاد؟

الاسماك-الفراتية-2
يلخّص المهندس الزراعيّ صافي عكلة لـ"عين المدينة" أسباب التردّي في واقع الثروة السمكية بالفساد والرشوة في المؤسسات الحكومية التي كانت مسؤولةً عن تنمية هذه الثروة؛ فطوال سنواتٍ طويلةٍ تحكمت بعض العوائل، بالتشارك مع بعض المسؤولين الأمنيين، بتجارة الأسماك وصيدها، مع استخدام كل المحظورات من الصعق بالكهرباء والتفجير بالديناميت واستخدام السموم وغير ذلك من أساليب الصيد المدمرة لكل الكائنات الحية في مياه الفرات. ويصف العكلة واقع الثروة السمكية اليوم بالكارثيّ، مع غياب أيّ رادعٍ للمخالفات الهائلة في أعمال الصيد، والتي تحدث يومياً على امتداد سرير النهر. وينبه المهندس كذلك إلى خطورة التلوّث النفطيّ الناتج عن أعمال التكرير البدائيّ في مواقع الحرّاقات المنتشرة على ضفتيّ النهر.

ويعلق رمضان، وهو صياد خيطٍ نازحٌ من دير الزور إلى الميادين، على الظروف الصعبة التي يلاقيها في عمله بالقول: تراجع الرزق كثيراً؛ فمتوسط صيدنا اليومي لا يتجاوز 5 كغ خلال أكثر من عشر ساعات، بعد أن كان يزيد على 20 كيلوغراماً في السنوات السابقة. ويضيف رمضان أن تجارة الأسماك تراجعت أيضاً نتيجة انصراف تجارها إلى أعمالٍ أخرى مثل النفط وتكريره وغير ذلك من الأعمال المربحة في هذه الايام.

أشهر أنواع السمك الفراتي:
-    الرومي: بنـــوعيه؛ الزهــري والرمادي المخضر. يصل وزن الـــسمكة إلى 20 كغ أحياناً.
-  الفرخ: أضخم أنواع الأسماك النهرية، فقد يصل وزن السمـكة إلى 200 كغ، وهو نوعٌ آخذٌ بالانــقراض.
-    البوري: صغير الحجم ويمتاز بطعمه اللذيذ.
-    يضاف إلى الأنواع الســابقة: البني، الكرسين، الجرّي.