العلم السوري بجانب العلم الأوكراني في تظاهرات كييف
يواصل نظـــــام الأســــد، للــــسنة الثالثة على التوالي، سياسات التملص من أيّ استحقاقٍ جدّيٍّ يقضي بوقف نزيف الدم السوريّ ووقف التدمير الممنهج لمنازل ومنشآت السوريين المدنية. كما يواصل، بعد إفشاله مفاوضات جنيف2، تمييع قرارات المجتمع الدولي ومجلس الأمن واللعب على عاملي الوقت والتغطية الروسية لجرائمه التي لا تتوقف.
وكان النظام قد ضرب بالبيان الرئاسيّ "الإنساني" رقم 2139، الذي أصدره مجلس الأمن، عرض الحائط، على الرغم من كونه القرار الأول من نوعه الذي يصدر عن المجلس حول الأزمة السورية دون عرقلةٍ من الفيتو الروسي، بعد أن أفرغته موسكو من أية رائحةٍ للبند السابع الذي يمنحه قوةً تنفيذيةً تلزم الأسد، وتلوّح باستخدام القوة ضدّه في حال تملصه.
وفي هذا الشأن، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً طالبت فيه المجتمع الدوليّ باتخاذ الخطوات المناسبة لمواجهة عدم تنفيذ النظام السوري القرار رقم 2139، وقالت: "كان متوقعاً عدم تنفيذ النظام السوري للقرار". مؤكدةً أن "الهجمات العشوائية لقوّات النظام خلفت منذ تاريخ صدور القرار في 22 شباط وحتى اليوم ما لا يقلّ عن 437 مدنياً بينهم 64 طفلاً و41 امرأة، وكان اللافت للانتباه أيضاً استمرار عمليات الاحتجاز والاختفاء القسري والتعذيب حتى الموت".
وبموازاة استمراره في حملة إبادة السوريين، يماطل نظام الأسد في تسليم الكيماويّ، متجاوزاً موعدي 31 كانون الأول و5 شباط الماضيين، لإخـــــراج مواد كيماويةٍ من الفئتين الأولى والثانية إلى ميناء اللاذقية تمهيداً لتدميرها. وقدّم النظام "خطةً بديلة" مدعومةً من روسيا والصين وإيران، تضمّنت إخراج المواد خلال 100 يوم، مبرّراً تأخره في موعد التسليم بذرائع "الظروف الأمنية"، و"عدم توافر معدّات نقل كافية". وقال ممثل الولايات المتحدة في المنظمة روبرت ميكولاك: "إن دمشق بذلت أقصى جهودها لإيجاد أعذارٍ عوضاً عن القيام بأفعال".
في تلك الأثناء، وبعد أن تراجع شعار "الدفاع عن المقدسات الشيعية"، تشنّ ميليشيا حزب الله اللبناني حرباً بالوكالة في القلـــــــمون، تحت شعار "مكافحــــــة التكفـيريين"، ودغدغـــــة مشاعر الغـــــرب بشعار "الحرب على الإرهاب". وبحسب محللين، يأتي هذا الغزو ببعديه "الطائفي- الإيديولوجي" لمساندة الأسد حليف إيران الشرعيّ وإطالة حكمه حتى آخر قطرة من دم السوريين.
ويبدو موقف حزب الله حرجاً بعد عجز قواته المدجـــــجة بالســـــلاح الروسيّ والإيرانيّ عن تحقيق أي نصرٍ في القلمون، وصمود مدينة يبرود، وتكبّد الحزب خسائر كبيرة. لتكشف الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمركز تدريبٍ تابعٍ لحزب الله، يقع على مقربةٍ من الحدود السورية اللبنانـــــية، هشــــاشة "الممانعة" وعجزها عن التصدي "للعدو الصهيوني". فتجاهلت الضربة بادئ الأمر، ثم أصدرت بياناً إسعافياً ينصّ على إعلان (حق الرد في الوقت والزمان المناسبين)!
وتأتي الثورة الأوكرانية الأخيرة ضد نظام يانوكوفيتش الحاكم الحليف لروسيا، والتي أقصت الأخير وأدت إلى هروبه من قصره، في حالةٍ مشابهةٍ لهروب (زين العابدين- تونس)، فرصةً لتكشر (روسيا - بوتين) عن سياسات الهيمنة، وتسعى لاحتلال القرم بذريعة حماية من يتحدّث باللغة الروسية في أوكرانيا، وتواصل عدم اعترافها بشرعية إقصاء حليفها يانوكوفيتش. وهذه السياقات السياسية خارج الخارطة السورية تعزّز إصرار الروس، بعكس ما هو متوقع، على التمسك بحكم الأسد، سواء كحليفٍ "وهميٍّ" ضد قوى الغرب، أو كورقة مساومةٍ وضغطٍ على واشنطن في الشأن الأوكرانيّ، وهو الأكثر احتمالاً على ما يبدو.
وتكشف الثورة في أوكرانيا عن الزيف والتناقض في المواقف الروسية، فمبادئ "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، التي جعل منها وزير الخارجية الروسيّ لافروف لازمةً في كل خطاباته ومؤتمراته الصحفية دفاعاً عن جرائم بشار الأسد "الداخلــــية"، تضربها اليوم جحافل الجنود الروس التي دخلت شرق أوكرانيا، تحضيراً على ما يبدو لتدخلٍّ عسكريٍّ أوسع في هذا البلد الأوربيّ شديد الأهمية بالنسبة للغرب كله، ومن دون أي ردّ فعلٍ يناسب هذا التصعيد الكبير من قبل الولايات المتحدة بقيادة "داعية السلام باراك أوباما".