افتتاحية العدد 89

ما بعد معركة الباب

بعد عناء كبير ومعارك شرسة كلفت الكثير من الضحايا، استطاعت القوات المشاركة في حملة درع الفرات التي أطلقها الجيش السوري الحر، مدعوماً بالقوات التركية، تحرير مدينة الباب بريف حلب من داعش.

غير أن مجريات الأيام الأخيرة من المعركة حول الباب تعيد التذكير بالتحالف الموضوعي بين أعداء الثورة المتباينين. ففي حين قاومت داعش حتى آخر قواها في المدينة التي دمّرت بشكل كبير، بدا انسحابها أمام قوات الأسد سريعاً حتى استطاعت هذه القوات الاتصال بمناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية شرق الباب، ليفرض الطرفان سداً أمام استمرار تقدم درع الفرات التي صار عليها لتتمدد أن تحارب قوات الأسد، المحمية بالمظلة الروسية، أو قوات قسد، التي لا تترك فرصة تمر دون الاستقواء بالتحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية.

في هذه المنطقة الصغيرة من شرق الباب يستند الاستعصاء الجغرافي على الأرض إلى توازنات أكبر بكثير، ولا يعلم أحد إلى ماذا ستؤول، لكن المؤكد أن عداء هذه الأطراف لبعضها، النظام وداعش وقسد، لا يقارن بعدائها للثورة، لأن هذه الجهات الثلاث تستقي من مصدر واحد للقيم ورؤية واحدة للعالم، هي الاستبداد والطغيان والإيمان بالقوة المجردة.

ومن هذه الرؤية نفسها يأتي تسابق كلٍّ من الأسد وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على حيازة «الوكالة الحصرية للحرب على الإرهاب»، ظناً من الطرفين أن العالم مجرد عجوز غربية مذعورة يمكن أن تدفع كل شيء لقاء تخليصها من المختل الداعشي، ومن يفعل ذلك سيكافأ بكل ما يشاء؛ استعادة للشرعية أو بناؤها، منح سورية لبشار أو السماح بقيام دويلة كردية فيها، التغاضي عن موجات القتل الوحشية والبراميل والكيماوي هنا، وعن التهجير والفاشية هناك.

رغم كل ما تعرضنا له من الظلم المتراكم والمركب لا بد أن نتذكر أن سياسات العالم لا تعمل بهذه الطريقة. وأن القوى الدولية قد تعتمد مؤقتاً على قوى محلية قادرة على مواجهة خطر أسود كداعش، وهذا ما ينطبق على وحدات الحماية، وقد يسرها ما يمكن أن يصيب داعش من ضعف على يد الميليشيات الشيعية وقوات الأسد؛ غير أن هذا سيبقى دون ترجمة سياسية. وستأتي ساعة حساب كل المستبدين والدواعش مهما اختلفت ألوان الأعلام التي يرفعونها.