جسورنا التي تنهار
جسراً وراء جسر، تتحطم الجسور في دير الزور بشكلٍ متسارعٍ تحت ضربات طيران التحالف الدوليّ. في الصور الآتية من هناك يبدو انقطاع الإسمنت المسلح وتخلخل الركائز وسفور الأعمدة الضخمة مثل كابوسٍ لم نألفه رغم تجدده، ويبدو مثل عبثٍ متكبرٍ بواحدةٍ من هوياتنا. تنفصل الضفتان من مكانٍ إلى آخر على طول سرير النهر، لينفصل بذلك بعض وعينا المتشكل من مفردات الفرات وحكايا العبور بين باديتيه. وتضيف كلّ غارةٍ على كلّ جسرٍ عزلةً فوق عزلة، وتشظياً جديداً إلى تشظينا، وتوجب على من تبقى هناك مزيداً من الكفاح المرّ في سبيل العيش، كيفما كان.
لن تبالي داعش ولن يؤذيها هذا اللهو الدوليّ بنا، فأيٌّ من الأنفس ومن البنيان فائضٌ عن الحاجة بالنسبة إليها، ويمكن الاستغناء عنه. في وجهها العدميّ الفجّ هذا لن تخسر الكثير، كل ما سيصيبها هو إعاقةٌ جزئيةٌ في الحركة ولن تعدم القدرة على اختلاق البدائل. وعلى أيّ حالٍ ستظل قادرةً على الفتك بمن هم تحت سطوتها، إلى أن تحين لحظة الفرار.
في أوقاتٍ مختلفةٍ من القرن الماضي أنشئت جسور دير الزور على الفرات. وخلال ثلاث سنواتٍ وأشهرٍ فقط حُطّمت كلها، في العشارة والميادين والبوكمال بغارات التحالف الدوليّ، وقبلها افتتح بشار الأسد حكاية الخراب هذه بتدمير الجسر المعلق ثم الجسر اليوغسلافيّ في الدير المدينة، مثلما افتتح هناك أول مذابحه الكبرى بمذبحة الجورة والقصور التي ارتكبها حرسه الجمهوريّ وتمرّ ذكراها الرابعة هذه الأيام.
من الحجر في أقصى شرق سورية وحتى المفاوضات على أعلى المستويات (كيري – لافروف)، مروراً بالنسيج الوطنيّ والاجتماعيّ السوريّ، تبدو الجسور مهدّمةً وموهومة. ورغم المخادعة المعتادة لحلفاء النظام بدعوى البحث عن حلٍّ سياسيٍّ فإن ما يؤمنون به ويتقنونه بالفعل هو ما يفعلونه الآن في حلب؛ حرب إبادةٍ مخزيةٌ أمام بصر المجتمع الدوليّ العاجز إلا عن الكلام.
ولكن القوّة العارية لم تستطع القضاء على الحقّ في أيّ يوم، رغم أنها حاصرته واعتصرت قلوب أصحابه مراراً... ولهذا سننتصر مهما علا الثمن وطال الزمن.