#ملحمة_حلب_الكبرى
تفتح الإنجازات التي حققتها معركة حلب حتى الآن باباً عريضاً للتفاؤل لم يعِشه جمهور الثورة منذ زمن. ولكن الأهم هو ما تعيد التأكيد عليه من بدهياتٍ يكرّرها الجميع كلاماً ولكنها قلما تتحوّل إلى وقائع كما حدث الآن؛ وهي وحدة الفصائل في عملٍ جماعيٍّ، وتنظيم المهامّ وتوزيع الأدوار، وتجاوز النظرة المحلية الضيّقة، فقد شارك في المعارك أبناء حلب وإدلب وحمص وحماة ودير الزور والرقة.
لا جديد نظرياً في هذه الوصفة سوى أننا لا نطبقها إلا في ما ندر، محمّلين بلدنا وأهلنا وأنفسنا عناء سلوك الطرق المتعثرة المكلفة دماً، فلا ننهض من لهونا غير المسؤول وسباتنا الخطر وتناحرنا السخيف إلا عندما توشك الكماشة أن تطبق علينا فننتفض لكسرها بعزم. وللأسف، لقد عوّدْنا أنفسنا وجمهورنا على الخيبات المتناوبة نتيجة هذا السلوك المتقلّب. ولكن مجمل الظروف لم يعد يسمح لنا بتكرار هذه الدورة المهلكة مرّةً أخرى. لنحترم قلوب ملايين السوريين التي خفقت تترقّب بشغفٍ أخبار قوّتنا الموحّدة في حلب، ولنحترم دعاءهم الحارّ ودموعهم الفرحة مع كلّ خطوةٍ مشيناها، ولنحترم تفاعل مئات الملايين معنا في أنحاء البلاد العربيّة والإسلاميّة والعالم، ولنحترم أولاً أطفالنا الذين أعشى عيونهم الصغيرة الدخان الأسود وأنهك سواعدهم الغضّة جرّ الدواليب!
المعركة طويلةٌ بمعاني مختلفة وسياقاتٍ متعدّدة، فإذا استطاعت الفصائل المقاتلة تحرير ما تبقى من أحياء حلب بالفعل، كما أعلنت بوضوح، تترتب عليها مسؤولياتٌ جسامٌ في تأمين السكان وضبط النزعات الانتقامية والفوضى، ثم في إدارة هذه المدينة الكبيرة بكلّ المعايير، وعدم تكرار تجربتي إدلب والرقة، وكبح مطامع أيّ فصيلٍ بالاستئثار أو الطغيان. ومن ناحيةٍ أخرى فإن معركتنا لا تنتهي عند حلب، فما زال المحاصرون يستصرخون في داريا والوعر والغوطة الشرقية من جهة، وما زالت أمامنا المهمة الكبرى في كسر النظام وإسقاطه، وتحرير الأراضي التي يحتلها تنظيم داعش.
مباركٌ أيّ نصرٍ في حلب، ومباركةٌ أي خطوةٍ يخطوها الثائرون السوريون فيها على طريق الحرّية والكرامة. غير أن علينا أن نحذر كثيراً من الغرور والتنازع والتسرّع وبرود الهمم، كما علينا أن نركّز على إيضاح صورتنا للعالم، فنحن مختلفون في العمق عمّن خرجوا في المسيرات مبتهجين لحصار 300 ألف مدنيٍّ في الأحياء الشرقية من حلب، منذ أيامٍ قليلةٍ فقط.