يعرف قرّاء المجلة أن سلطات الأمر الواقع التابعة لحزب PYD، المسيطر على مدينة عفرين بريف حلب، قد منعت توزيع مجلتنا هناك «بشكلٍ قطعيٍّ وعدم تداولها حتى بصورةٍ إفرادية». وجاء في مسوّغات هذا القرار أن المجلة تنشر عدداً كبيراً من الموادّ التي تتناول «الجماعات المتطرّفة الإرهابية»، وأن هذه الموادّ «وإن كانت تحمل لهم نقداً ورفضاً لممارساتهم إلا أنها وفي جانبها السلبيّ تحمل تعريفاتٍ وشروحاتٍ عن ما يحملونه من فكرٍ وممارساتٍ ونظامٍ مما يروّج لهذه الأفكار»!
تضامن مع المجلة الكثيرون من أصدقائها وأصدقاء حرّية الرأي، من كردٍ وعرب، وأوّلهم زملاؤنا في الشبكة السورية للإعلام المطبوع SNP. فلهم جميعاً أعمق الامتنان وجزيل الشكر.
غير أن «التهمة» تفتح باب النقاش لا على حرّيات التفكير والتعبير والنشر فقط، بل على «القدر المسموح به» من معرفة العدوّ برأي سلطة عفرين، ممثِّلةً عن سواها من سلطات القمع، كنظام الرقابة الأسديّ وسلطات تنظيم داعش التي نعنى بتشريحها.
المطلوب إذاً، من وجهة نظر هذه السلطات ومن يشابهها، أن يكتفي الإعلام بالشتيمة المكرّرة، تملأ صفحات مطبوعته أو أثير قناته، أو أن يكون نشرةً عسكريةً تعبويةً صلدة! معرفة هذا العدوّ ممنوعةٌ تحت طائلة الترويج له! وغير مطلوبةٍ أصلاً لهزيمته، إذ الاحتكام الوحيد هو للسلاح فقط! أيّ منطقٍ هذا... ومن أيّ شموليةٍ يصدر هذه المرّة... أمِنَ الفاشية أم الستالينية أم من البعثية؟!
لا ينمّ احتقار المعرفة إلا عن احتقارٍ عميقٍ موازٍ للإنسان؛ يجب أن يقاتل فحسب، وأن يعرف فقط ما يسمح به المستبدّون من «أولياء أمره». أما إن قرأ بحثاً عن نفط دير الزور في ظلّ داعش وموارده، أو عن البنية العسكرية للتنظيم في ما يسمّيه «ولاية الخير»، أو عن محاولاته الفاشلة لإدارة ملفات التعليم والصحة والخدمات، وهو ما سلّطنا الضوء في المجلة؛ فلربما وقع في دائرة الانجذاب الأبله وسار وراء الغول!
على كل حال، لا نتوقع من السلطات التي نشأت وتمكّنت بإشراف أجهزة الأمن مستوىً أرفع من هذا من احترام العقل. ولكن أملنا، منذ شاركنا في الثورة عام 2011، هو في عقول وقلوب ونفوس جميع السوريين، كرداً وعرباً وسواهم، لينفضوا عن صدورهم كل أشكال الطغيان.