أنصار النظام، ومهاجروه
لم يعد الحديث عن التدخّل العسكريّ الروسيّ مجرّد إشاعاتٍ، بل تُوِّج بتصريحاتٍ متبادلةٍ بين ممثلي النظام وموسكو. وإذا كان الكلام عن تفريط حكم بشار الأسد بالسيادة الوطنية للبلاد نافلاً، فإن الاستغراب من مواقف مؤيديه ما ينفكّ يتصاعد، مع كلّ مرحلةٍ من مراحل صراع سوريا الثورة مع النظام، إلى آفاقٍ جديدة.
فمن المعروف أن النظام اتهم المنتفضين عليه بالارتباط بالدول الخارجية منذ اليوم الأوّل، وفبرك أخباراً وصوراً وفيديوهاتٍ عن مقاتلين غير سوريين في البلاد، حتى وُجد هؤلاء بالفعل فكانت صورهم الحقيقية برداً وسلاماً على أجهزة دعايته التي احتفلت بهذه الفيديوهات وكرّرت بثها إلى درجة الإملال، تأكيداً لمزاعم «المؤامرة الكونية» ورصّاً للصفّ «الوطنيّ» وراء «الجيش العربي السوري»!
ثمّ، فجأةً هكذا وببساطة، يتقاطر المقاتلون الطائفيون، جماعاتٍ منظمةً ومن مطار دمشق الدوليّ، يبغون نصرة زينب والتمهيد لظهور المهديّ، ولا يرفّ للنظام العلمانيّ ومؤيّديه أيّ جفن!
وتُناط المسائل الإستراتيجيّة، في السياسة والاقتصاد كما في تخطيط المعارك وأولوياتها، بل في التفاوض على الهدن الكبيرة وتبادلات الأسرى؛ بالإيرانيين مباشرةً، ويُزجّ على الجبهات بالمرتزقة الأفغان البائسين، ولا يزال مسؤولو حزب البعث يظهرون على شاشات النظام، بشَعرهم المصبوغ وشواربهم الكثّة، مع وفدٍ هزيلٍ من فلول حزبٍ عربيٍّ من هنا أو هناك، تأسّس على يدي مخابرات حافظ الأسد واعتاش على معوناته، ليحيّوا ابنه، القائد القوميّ لمسيرة الأمة العربية، الرمز ابن الرمز!
ثمّ ها هي الوجوه الشقر تطلّ من الساحل السوريّ فيشرب مقاتلو النظام ومؤيّدوه الفودكا معها في صحّة «أبو علي بوتين»، متناسين بسهولةٍ سنواتٍ طوالٍ من التغزّل بالوطن ومن تقسيم المواقف والقوى، وحتى صفحات الفايسبوك، إلى «وطنيةٍ» وعميلة!
للأسف، يثبت أنصار النظام أن لا عقيدة فعلية لهم إلا النظام نفسه، ولا إيمان لديهم إلا بـ«البوط»، كما عبّروا مراراً، بصريح الكلام وبرمزية الصور والتماثيل والقُبل.
ونحن، من خرجنا ضدّ هذا البوط منذ اليوم الأوّل، مطالبين بالحرّية والكرامة لسورية وللسوريين، نرى في التدخّل العسكريّ الروسيّ خطوةً خطيرةً أخرى في طريق ارتهان البلاد للأجندات الأجنبية. إذ لا شكّ أن هذا التدخّل سيستدعي تدخّلاتٍ مضادة، دوليةٍ وإقليمية. ومثلما أنه ليس خبراً جيداً للثائرين، لن يكون خبراً جيداً للروس.. ولا لـ«أنصارهم» المحليين.