رمضان... والثورة كامتحانٍ أخلاقيّ
يوماً بعد يومٍ، تزداد وعورة وحدَّة الاستحقاق الأخلاقيّ الذي وضعت الثورةُ السوريين في مواجهته.
ففي الأيام الأولى كان الخيار واضحاً وثنائياً فقط، إما أن تقف مع المتظاهرين السلميين الذين يطالبون –لك ولهم وللجميع- بالحرية والكرامة والعدالة، أو أن تقف مع قنّاصيهم ومهاجميهم من رجال الأمن، مخادعاً نفسك بما شئتَ من بضاعة التدليس واضحة الزيف التي تزوّدك بها قناة «الدنيا».
ومن المفجع أن أعداداً كبيرةً من السوريين فشلت في اجتياز هذا الامتحان البسيط. ولا نتحدّث هنا عن ما يمكن أن يزعم البعض أنه «خيارٌ» سياسيٌّ بتأييد بشار الأسد، بل عن ما تلا ذلك وتفرّع عنه؛ من غضّ نظرٍ عن الجرائم، وصولاً إلى تبريرها، وأخيراً المطالبة الملحّة بها؛ براميلَ وأسلحةً كيماويةً وتحويل مناطق ومدنٍ مأهولةٍ إلى «مزارع بطاطا»... وما إلى ذلك من فنون إجرام مؤيّدي بشار المعروفة.
غير أن من نجا من هذه المهلكة الأخلاقية لم ينجُ إلى الأبد. فقد عرَضت له، في موقعه الثوريّ، امتحاناتٌ أخلاقيةٌ لا تقلّ خطورةً إن لم تكن أشدّ. فكم من جمهور الثورة من قضى يصطلي بنار الألم والظلم والمجازر الجماعية سنواتٍ، في ظلّ تراخي المجتمع الدوليّ وأصدقاء سورية، حتى صار لقمةً سائغةً ناضجةً من الحقد على مائدة داعش، يُفتي له شرعيون مجانين بقطع رأس هذا وصلب ذاك فيفعل، وبقطع المحروقات اللازمة لعمل مشافي وأفران المناطق المحرّرة فينفّذ صاغراً فتوى «الدولة».
ولكن، هل نجا من عبَر هاتين المفازتين الكبريين من الهلاك، النظام والتنظيم؟ ليس بالضرورة. فكم من بيننا من يقصف، أو يؤيّد قصف، المناطق التي يسيطر عليها النظام. والكلّ يعلم أن أعداد من فيها من المدنيين، من رجالٍ وشيوخٍ ونساءٍ وأطفال، هي أضعاف من فيها من جنود الأسد ورجال أمنه وشبّيحته الطائفيين. ولكن كثيراً منا يسوّغ حصار هؤلاء المدنيين وتجويعهم، بل القصف عليهم عشوائياً، عسى أن تصيب القذائف مراكز الأمن وقوّات النظام، بحجّة أن هؤلاء المدنيين، من أهلنا وناسنا كما يقال، ظلوا «هناك»! وكأن المجيء إلى «هنا» متيسّرٌ لكل أحد، مع ما في حياة المناطق المحرّرة من صعوباتٍ سبّبها النظام وأجّجها سواه.
إن مخاطر أن نتحوّل إلى قتلةٍ لفظيين، أو مساهمين في تأييد القتل بدون وجه حقٍّ، بدوافع الحقد أو الاستهتار أو «مجريات الحرب» كما نزعم، مخاطر كبيرةٌ. وفي شهر رمضان المبارك، الذي نسأل الله فيه الفرج والرحمة للبلاد والعباد، يجدر بنا أن نستحضر الحديث الشريف: «إن العبد ليتكلم بالكلمة، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً».