في حاجة الثورة إلى نظام
لا تفتقــــر الثـــورة إلى العـــقول المتميّزة في مجالاتٍ مختلفة، فقد حرّضت طاقات وأذهان أعدادٍ يصعب إحصاؤها، بعد طول ركودٍ في كآبة وخواء حكم الأسد وابنه. ولكن ما بات ملحاً هو وجود نظامٍ ذي طابع مركزيٍّ يحكم مساراتها العسكرية والمدنية في خطوطٍ عامة. وقد مرّ الوقت الذي كنا نتغنى فيه بالعفوية التي ميّزت عام الثورة الأوّل، حين قامت على بؤرٍ متباعدةٍ في أنحاء البلاد، مما جعل من المستحيل على أجهزة الأمن أن تقضي عليها باستئصال عمودها الفقريّ، لأنه لا وجود له أصلاً.
لكن، ومنذ العام الثاني للثورة وحتى الآن، تزداد الحاجة إلى كتلٍ كبرى تندرج في مشروعٍ موحّد، تقوده بخطواتٍ مدروسةٍ ضمن خططٍ تتكامل بالنظر إلى الخريطة السورية بشكلٍ عام، لا بالتركيز على الأفق الضيّق للمنطقة أو المدينة الواحدة.
ورغم البطء الملحــــوظ والمضرّ، تسير الأمور في هذا السياق؛ من النواحي العســــكرية والمدنـــية والخدميــــة. ودون ذكر أية تجربةٍ بعينها، يمكن للمراقب تلمّس معالم التيارات العريضة في الأنحاء الفسيحة لروح الثورة تلتئم وتنمو وتنتظم في هياكل تأخذ مهامّها بجدّيةٍ متزايدة، وتسعى إلى تنظيم عمل كوادرها بشكلٍ تكامليٍّ واحترافيّ.
هذه هي طبيعة المرحلة. غير أن هذا لا يعفي أياً منّا من القيام بمسؤولياته في الدفع في هذا الاتجاه، ودعم هذه «الطبيعة» حتى تصبح واقعاً معاشاً، والحرص على روح العمل الجماعيّ وما يتطلبه من ميزاتٍ وواجباتٍ لم نعتدها حتى الآن.