مجزرة تدمر
صباح يوم الجمعة 27 حزيران 1980، حطّت عشر طائرات مروحيّة في مطار تدمر، تحمل بضعة ضباطٍ وأكثر من مائتين من العناصر، مجهّزين بأسلحتهم الكاملة. توجّهت قافلة الموت بسرعةٍ إلى سجن المدينة الشهير. أدخلها مديره وحرّاسه الذين كانوا قد بلّغوا بالأوامر. فُتحت أبواب الزنازين، وجُمع السجناء العزّل في الباحات، وفتحت عليهم نيران الرصاص وألقيت القنابل. وفي أقلّ من ساعةٍ كان العناصر قد عمّدوا كمجرمين، بدماء عدة مئاتٍ من الشهداء الذين لم ينجُ منهم من ينقل الحكاية.
لا لنتذكّر فقط، على أهميّة الذكرى التي حاولوا طمسها، عندما كان الشهود هم الضحايا والجلادين فقط، وإنما اخترنا هذا الملفّ لنقول لمن صنع أولئك القتلة، ولمن يحشد أمثالهم بغزارةٍ خرقاء الآن، إنه لن ينجو. ولنتمنّى أن يكفّ عن تفريخ حقده، وتوريط آخرين وآخرين بانتهاك دماءٍ وكراماتٍ وحقوقٍ... لن ننساها.
ربما سيتحول سجن تدمر إلى متحفٍ لأدوات التعذيب المعاصر، توضع في ركنٍ منه سجلات نزلائه وكتباً حوَت ذكريات بعضهم، وتُرفع على جدرانه صور الشهداء الكثر الذين قضوا فيه، وربما سيُهمَل مبدّداً ذكراهم مع الرمال، وربما سيقترح آخرون هدمه، تخلصاً من أحمالٍ وأدغالٍ من الأوجاع الكئيبة تحوّم وتصفر في أروقته، ربما وربما... ولكن الأكيد هو أن المسؤولين عن جرائم الإبادة والتعذيب فيه سيتذكرون أن ما كتب فوق بابه كان الآية: {ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب}.