قصة اللاجئين الذين يشعرون أنهم مرغمون على العودة إلى سورية
بيتر بيومونت - من مدينة المفرق الأردنية
الغارديان/ 14 أيلول
ترجمة مأمون حلبي
تبعد مدينة المفرق، البدوية الطابع، مسافةً قصيرةً بالسيارة عن بوابات مخيم الزعتري للاجئين. غير أن المدينة تقدّم صورةً مقلقةً بشكلٍ أكبر. فهي تستضيف قرابة مئة ألف لاجئ، وهو عددٌ يفوق عدد سكانها الأردنيين وعدد سكان الزعتري.
اللاجئون السوريون خارج المخيّمات الأردنية، والذين يعيشون في غرفٍ مستأجرةٍ وورشات عملٍ حُوِّلت إلى أماكن إيواء، هم من الناس الأكثر ضعفاً. لا يرمز اللاجئون في مدينة المفرق إلى نجاح جهود المساعدات الدولية وإنما إلى فشلها؛ وهو إخفاقٌ يدفع بهم بشكلٍ متزايدٍ نحو أوروبا أو إلى العودة بيأسٍ إلى مناطق الحرب في سورية. إن كان تركيز المملكة المتحدة منصبّاً، كما قال رئيس الوزراء البريطانيّ ديفيد كاميرون أثناء زيارته لوادي البقاع في لبنان، على مساعدة اللاجئين في لبنان والأردن "من أجل أن نتيقن أننا نثني الناس عن القيام بهذه الرحلة الخطرة إلى أوربا"، ففي مدينة المفرق وليس في مخيم الزعتري نرى كثيراً من أخطر المشكلات. الكثير من الناس هنا، الذين تمّ إفقارهم وأثقلت الديون كاهلهم، عانوا تخفيض حصصهم الغذائية في آب الماضي عندما خفّضت منظمة برنامج الغذاء العالميّ عدد اللاجئين السوريين الذين يتلقون قسائمها الغذائية بنسبة الثلث، ما ترك 229 ألف شخصٍ في الأردن دون مساعدةٍ غذائيةٍ اعتباراً من أيلول الحالي. الواقع هو أن جهود مساعدة السوريين واجهت، بالرغم من كرم الدول المانحة، أزماتٍ على عدّة جبهات، من ضمنها التمويل وحنق أولئك الذين لا يرون نهايةً قريبةً للنزاع السوريّ.
عندما هبطت حوّامة كاميرون في الزعتري، كان محمود قرومة يخطّط للرحيل من المفرق إلى أوربا. سيترك عائلته وراءه مؤقتاً، بمن فيها شقيق زوجته مازن، 32 عاماً، الذي يعاني من إعاقةٍ عقلية. معظم أفراد عائلة مازن كانوا قد قضوا نتيجة ضربةٍ صاروخية. يقول محمود: "مضى عامان على وجودنا هنا". تقول زوجته وفاء إن حصتهم الغذائية قُطعت الشهر الماضي. ومثل كثيرٍ من الناس، لا يعرفون إن كانوا سيتلقون أيّ مساعدةٍ في المرّة القادمة التي تصدر فيها القسائم. يقول محمود: "اجتمعت عائلتنا بعد أن قُطعت حصتنا الغذائية. لديّ جواز سفر، ولذلك أستطيع السفر جوّاً إلى تركيا. جمعنا المال اللازم للرحلة إلى إسطنبول و1000 دولارٍ لمهرّبي البشر في إزمير". سيسافر محمود برفقة سبعةٍ من جيرانه إلى اليونان أولاً ثم إلى ألمانيا أو السويد. إنه ليس الوحيد الذي يفكر في الرحلة. ذهبت الغارديان لتزور عائلاتٍ في مدينة المفرق فأصيبت بالخيبة؛ كانت تلك العائلات قد رحلت. يحكي آخرون عن جيرانٍ قد رحلوا أو يخطّطون للرحيل. في البناية التي يسكن فيها محمود لم تتبقّ سوى عائلتين من أصل 12 عائلة. بعضهم ذهبوا إلى تركيا، لكن بعضهم الآخر، وقد ضاقت بهم السبل، عادوا إلى سوريا مفضّلين تعريض أنفسهم لمخاطر الحرب على أن يواصلوا الصراع من أجل البقاء في بلدٍ لا يستطيعون العمل فيه، والمساعدات تُخفّض بشكلٍ كبير، والديون العائلية تتصاعد بلا توقف.
السوريون ومسؤولو المساعدات، على حدٍّ سواء، يقولون إن الإحساس باليأس المتزايد يمكن التقاطه من عدّة مؤشراتٍ، في المخيمات وبين اللاجئين في مدن الأردن. في أحد أيام الأسبوع الماضي، استقلّ قرابة 200 لاجئٍ الباص الذي يذهب يومياً من مخيم الزعتري إلى الحدود السورية لكي يعودوا إلى منطقة النزاع. وهناك بعض الدلائل المبنية على الأقاويل توحي أن عدداً صغيراً من الناس سيجرّبون طريق البرّ الخطِر عبر جبهات القتال الكثيرة كي يصلوا إلى تركيا. ببساطةٍ، معظمهم لا يرون لهم مستقبلاً في الأردن، الذي يتلقى فيه 86% من اللاجئين أقلّ من 68 ديناراً في الشهر، وهو مبلغٌ تعتبره الحكومة الأردنية مستوى خطّ الفقر في البلاد. وبحسب مسؤولين كبارٍ في الأمم المتحدة، تتزايد حالات زواج الأطفال لأن الأُسر تبحث عن من يمكن أن يعول بناتها. أولئك الذين يستطيعون بيع ممتلكاتهم، بما في ذلك العقارات والأراضي في سورية إن كان هذا ممكناً، يفعلون ذلك. هذا المزاج المصمّم والعصبيّ فاقمته صور وسائل الإعلام لأولئك الذين شقوا طريقهم إلى أوربا، وماكينة إشاعاتٍ مثيرة. في مركز الاستقبال الرئيسيّ التابع للأمم المتحدة في عمّان، تمّ أخذ صورة قزحية عين فؤاد مصطفى كجزءٍ من عملية التسجيل. بسرعةٍ يتضح أن فؤاد، وهو مهندسٌ متزوّجٌ من أردنية، كان قد أتى بسبب إشاعةٍ نُشرت على موقعٍ لبنانيٍّ مفادها أنه قد تمّ التعاقد مع شركة شحنٍ لتأخذ اللاجئين إلى ألمانيا من أجل إعادة توطينهم. جذبت هذه القصة 500 شخصٍ إلى مركز الاستقبال خلال أكثر من يومٍ بقليل.
يرسم آندرو هاربر، رئيس وكالة مفوضية اللاجئين في الأردن، صورةً تبعث على القنوط لجهود إيواء اللاجئين السوريين في البلاد، وهي جهودٌ شهدت نجاحاتٍ في البداية. يقول هاربر: "شاهدنا عدد السوريين الذين يريدون العودة يرتفع من 60 إلى 120 في اليوم في آب، وإلى 190 في يومٍ واحدٍ الأسبوع الماضي. من المبكّر القول إن كان هذا الأمر ميلاً عاماً، إلا أنه يتصاعد. علينا أن نقدّم الدعم للناس في المكان الذي هم فيه آمنون، لا أن نخلق ظروفاً تدفع بهم إلى العودة إلى منطقة الحرب. إنهم لا يستطيعون العمل بشكلٍ قانونيٍّ، والافتقار إلى موارد العيش يعني أن الوضع ليس مستداماً. تواجه أوربا الآن عواقب سياساتها هنا". الحلّ الذي يقدّمه آندرو هاربر من أجل الأردن بسيط؛ تمويل مشاريع توفر العمل للاجئين وتفيد تنمية بلدٍ مضيفٍ أخذ يصبح بشكلٍ متزايدٍ غير مكترثٍ باللاجئين الذين استقبلهم. كثيرٌ من اللاجئين في المدن الذين تحدثت الغارديان إليهم يردّدون اقتراح هاربر. إنهم يقولون لو أنهم يستطيعون العمل لما رحلوا.
يعيش أيمن العوّاد، 37 عاماً، مع عائلته في غرفةٍ متهالكةٍ مبنيةٍ على سطح، يدفع إيجارها 100 دينارٍ في الشهر. لو استطاع، وهو اللاجئ القادم من مدينة درعا، الهجرة لفعل، لكنه سيهاجر فقط إن كان الأمر قانونياً. دون أيّ مساعدةٍ لدفع الإيجار، كان يبيع قسائم الطعام بأقلّ من سعرها ليغطّي التكاليف. لكن منذ حصل التخفيض في القسائم، لم يعد لدى العوّاد ما يكفي ليغطي المدفوعات. يقول: "نسرق الخبز ونعيش على الخضروات التالفة التي نستطيع العثور عليها. نعيش على الفتات. في ما مضى كنت أملك مخزناً كبيراً. كانت لديّ مزرعةٌ وسيارة. كلّ ما أحتاجه هو 100 دينارٍ في الشهر. لو كان مسموحاً لبعت البندورة في الشارع لأتدبر الأمور، لكن إن فعلت ذلك سيلقى القبض عليّ". يقول إنه لم يبقَ له شيءٌ في سورية لكنه يشعر أنه قد تتوجب عليه العودة. "لقد تكلمت مع أفراد عائلتي. سنجرّب لخمسة أو ستة شهور. إن لم تتحسّن الأمور، ستدفعنا الظروف إلى العودة. لا خيار لدينا. إننا نُدفع إلى العودة إلى داخل الحريق".