ناتالي نوغايريد*
الغارديان/ 30 تشرين الأول
ترجمة مأمون حلبي
من النادر أن يعترف مسؤولٌ رفيعٌ المستوى أنهم قد أخطأوا كليةً في أمرٍ من الأمور. فريدريك هوف، وهو مستشارٌ خاصٌّ سابقٌ في الشؤون السورية لهيلاري كلينتون عندما كانت وزيرةً للخارجية، كانت لديه جرأة الاعتراف بذلك. فقد كتب مؤخراً مقالةً تحت عنوان "لقد ارتكبت خطأ فادحاً بخصوص سوريا".
المقالة تحليلٌ مؤلمٌ لحقيقة أن الآمال المبكرة عام 2011 برؤية بشار الأسد وقد أطيح به عن طريق ثورةٍ شعبيةٍ كانت إما ساذجةً أو غير متبصّرة. وهي تتضمّن أيضاً نقداً شاملاً لرئاسة أوباما التي، بكلّ وضوحٍ، لم تكن تنوي أبداً أن تفعل أيّ شيءٍ يتعلق بالمسلخ السوريّ، مفضّلةً ترك المشكلة تتفاقم دون معالجتها.
من المغري الاعتقاد أن آخر تفعيلٍ للدبلوماسية الدولية بخصوص سوريا سيؤدّي إلى نتيجةٍ أكثر توفيقاً. لكن، قبل بضعة أيامٍ من بدء المحادثات الوزارية في فيينا، ظهر أن هوف يبدّد هذه الآمال في اجتماعٍ عقد في مجلس العموم يتعلق بكارثة حقوق الإنسان في سوريا. كانت جدران المجلس مغطاةً بصور أجسادٍ تمّ تعذيبها، هرّبها "قيصر" خارج سوريا قبل سنتين من الآن. كان "قيصر"، وهو مصوّرٌ عسكريٌّ، يعتقد أن العالم لو رأى المذبحة التي تجري في سجون الأسد فسيتصرّف. لا شيء من هذا حدث. والآن يقول هوف إنه لا يستطيع أن يرى أيّ دليلٍ على تغيّرٍ في سياسة الولايات المتحدة، التي ستبقى عازمةً على إبقاء الملف السوريّ على مبعدةٍ منها. هذا الأمر يناسب الرواية التي تتمسّك بها منذ زمنٍ طويلٍ عن انسحابها من النزاعات، وهذا ما يريده الجمهور الأميركيّ. لقد تبقى 14 شهراً من ولاية أوباما، لذا فالسيناريو الأرجح هو أن البيت الأبيض سينتظر انتهاء هذه الأزمة. قامت الولايات المتحدة بشكلٍ أساسيٍّ بتعهيد سوريا للفاعلين الإقليميين، وكلّ الدلائل تشير إلى أنها على الأرجح ستقوم بتعهيدها، بدرجةٍ أكبر هذه المرّة، لروسيا، مهما كانت التكلفة البشرية.
من المهم جداً أن صور قيصر عُرضت في إحدى قاعات مُشرِّعي البرلمان البريطانيّ، لأنه البرلمان الذي صوَّت ضد التدخل في سوريا في آب 2013 رغم معرفته أن الأسد استخدم أسلحةً كيماويةً ضدّ المدنيين. لقد أفسد الإرث العراقيّ الجدل البريطانيّ حول سوريا. لهذا السبب، حتى أولئك الذين ينتمون إلى حزب العمال ويطالبون بإنشاء مناطق آمنةٍ في سوريا يقولون إنهم يفضّلون قراراً من الأمم المتحدة أولاً. ولكن ليس للمطالبة بقرارٍ أمميٍّ من أجل مناطق آمنةٍ حظٌّ من النجاح لأن روسيا والصين ستستخدمان الفيتو ضدّه، مما يعني جعل أيّ سياسةٍ مرهونةً بما يريده الكرملين، وهذا يعني الإبقاء على الأسد وعلى آلة القتل لديه. يشير هوف إلى أنه إن كان لسابقةٍ دبلوماسيةٍ أن يُستنَد إليها عندما يُنظر إلى سوريا فهي ليست سابقة العراق 2003، بل البوسنة 1995.
عام 2012، عندما اشتدّ الهجوم العسكريّ على المدنيين، كنت أنتظر لحظةً تشبه "لحظة سربرنيتسا" البوسنية؛ عندما أدّت جريمةٌ فظيعةٌ إلى عملٍ دوليّ. في أيار من ذلك العام ذبحت ميليشياتٌ مواليةٌ للأسد أكثر من 100 شخصٍ في بلدة الحولة السنّية، لكن لا شيء حدث. وعندما وقعت هجماتٌ كيماويةٌ اغتنمت روسيا الفرصة وقدّمت مشروعاً لنزع الأسلحة الكيماوية، وهو ما أدّى إلى إنقاذ الأسد.
هناك فاعلون كثرٌ مسؤولون عن عمق المأساة السورية، ومن المستحيل إلقاء كلّ اللوم على أوباما. لكن هوف صوتٌ نادرٌ من داخل تلك الإدارة يقول إن التقاعس كانت له تكلفةٌ أعلى من الأقدام على الفعل: "لا أحد ينكر مخاطر العمل العسكريّ. مع ذلك، ما يتمّ إنكاره هو مخاطر التقاعس". لقد اختارت رئاسة أوباما إدارة الرأي العامّ عوضاً عن صياغة الأحداث ومنع مزيد من الأهوال. ببساطة، لم يكن السوريون أبداً أولوية. وعلى الجمهور أن يفهم أن عدم التعويل الكبير على القمم الدبلوماسية سيكون بدايةً جيدة، فالمحادثات طريقةٌ جيّدةٌ لشراء الوقت بالنسبة إلى أولئك الذين لا يريدون أن يقوموا بأيّ شيء، وعدم التعويل على العدالة الدولية أمرٌ هامٌّ أيضاً. كأوربيين، علينا التأمل كيف أننا طوال الوقت كنا نعتقد أن هذا الوضع العسير سيعتني به آخرون، في الولايات المتحدة أو غيرها. تلك كانت أوهاماً، وستدفع أوربا ثمناً باهظاً، لأنها على أعتاب الشرق الأوسط.
* صحفية فرنسية مختصّة بالقضايا الخارجية.