أهل مدينة اللاذقية اليوم.. الرعب المتواصل تحت الاحتلال

من الإنترنت لمدينة اللاذقية

تعيش مدينة اللاذقية حالة من الهدوء جعلتها ملجأ مئات الأسر النازحة من باقي المحافظات، لاسيما الأسر التي تعرف بموالاتها للنظام، لكن تحت قشرة الهدوء يستولي الخوف على أبناء الأحياء المعارضة، وهي الأحياء التي شاركت في المظاهرات المناهضة للنظام مع بداية الثورة، كحي الصليبة ومشروع الصليبة والرمل وقنينص.

عوامل كثيرة تقف وراء هذا الخوف والقلق، أبرزها هجرة أبنائهم أو التوجه نحو مناطق سيطرة المعارضة، فضلاً عن خوف بعض الأسر بسبب أبنائهم المعتقلين أو من سقطوا في المعارك ضد النظام. حيث يعيش الأهالي في حالة من الصمت واليأس، بحسب ما أكد علاء محمد أحد سكان حي الرمل الجنوبي، في حديثه لعين المدينة، موضحاً أن سكان هذه الأحياء يعانون ظلماً كبيراً وتهميشاً مقارنة بباقي أحياء المدينة، مثل حي الزراعة أو الرمل الشمالي اللذين يستطيع سكانهما الاعتراض على أي أمر، كالتقنين الكهربائي أو قلة الخدمات، ويعبّرون عن غضبهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي أو حتى من خلال أحاديثهم، "أما نحنا عم نعيش بحالة من الحذر والرعب ولا نظهر أي اعتراض"، فجميع الأسر تخشى من أي سؤال من الممكن أن يتوجه لها من قبل عناصر الأمن أو الجهات الحكومية، لذلك يسكتون عما يحصل لهم لكي لا (تفتح الأعين) عليهم.

“هذه الحالة منذ فترة طويلة يعيشها أبناء المدينة من السنّة"، تابع علاء شارحاً، لكنها تضاعفت وظهرت بشكل واضح بعد اندلاع الثورة، فمع بداية المظاهرات كان هناك أمل كبير بالتغيير وإسقاط النظام، تلاشى مع مرور الوقت، وبات الناس يسعون لتأمين لقمة عيشهم وإبعاد أعين الأمن عنهم؛ موضحاً أنه في حال وقوع أبسط حادثة يسارع السكان لإظهار تأييدهم للنظام، وأغلب المحلات تحوي على (صور لبشار الأسد والعلم الأحمر). "لا يمكن وصف الوضع إلا أنه حالة رعب كبيرة، وصلت لمرحلة الخوف من بعضنا البعض ومن الجيران ومن أقرب الناس".

من جانبها قالت دعاء عبد الفتاح، وهي إحدى السيدات التي تعيش في حي الصليبة، إنها على اطلاع على عشرات القصص التي أُجبرت فيها نساء على استخراج (أوراق مطلقة)، بسبب توجه زوجها نحو مناطق المعارضة، وخوفها الشديد من أن تتعرض للمساءلة والاعتقال بسبب ذلك، معتبرة أن الأغلبية يقومون بإجراءات احترازية لأنهم يعيشون تحت ضغوط كبيرة، أبرزها تواجد عناصر الأمن بشكل دائم في الشوارع وعلى مداخل الأحياء وتجولهم بالسيارات وهم يحملون السلاح، إضافة إلى ما يقومون به من حملات دهم وتفتيش المنازل بحثاً عن المطلوبين ممن شاركوا بأي نشاط معارض، أو الشباب المتخلفين عن خدمتي العلم الإلزامية أو الاحتياطية.

أضافت أن الوضع المادي الصعب الذي تعاني منه أغلب الأسر يلعب دوراً في سوء حياة الناس، "فهنا معظم النساء تحولت لمعيلات لأسرهن"، وبات عليهن تأمين وظائف بسبب هجرة الشباب أو موتهم أو اعتقالهم، "فالأشخاص يعيشون حياتهم بعيداً عن الجدل أو الاقتراب من الأمور السياسية أو ما يتسبب لهم بأي مشكلة، كل شخص ملتزم بأطفاله ومشاكل حياته (وملتهي بتأمين مستلزماتهم)"؛ منوهة أن لمدينة اللاذقية وضع خاص، لأن أغلب قاطنيها موالون للنظام، "أبناء الأحياء المعارضة قلة ومحاطون من كل الجهات"، فليس لهم أي صوت يسمع، وعاجزون عن إظهار أي اعتراض، فهم يخشون من الموالين أكثر من عناصر الأمن أنفسهم.

أما الشاب محمد إبراهيم، والذي يقيم في مناطق سيطرة المعارضة بريف إدلب الغربي، فقد بيّن لعين المدينة أنه منذ أن انشق عن خدمة العلم قبل سبع سنوات والتحق بصفوف الجيش الحر- يمتنع والده المقيم في اللاذقية عن التحدث إليه عبر الهاتف أو الواتس أب، كما يمنع والدته وأخواته من التواصل معه، ويعيش حالة من الحذر من التوجه نحو دوائر الدولة أو القطاعات الأمنية، رغم أنه -وبعد انشقاقه بعام واحد- تقدم بطلب رسمي لإدارة الجيش لتثبيت اختفاء ولده أثناء خدمة العلم، وهو يخبر كل من يسأل عنه بأنه قد اختفى ولا يعرف عنه أي معلومة ولربما قُتل أثناء خدمته؛ مضيفاً أن الأمر وصل لحدّ نكرانه في العائلة، فأغلب الناس قد نسوه وباتوا ينادون والده باسم أخيه الأصغر، والسبب الأساسي هو الخوف والرعب الذي زرعه النظام في نفوسهم.

هذا الحال ليس ضمن أسرة الشاب محمد فقط، كما شرح، فالعديد من أصدقائه يعانون من الوضع ذاته، وهم يعيشون أيضاً بقلق وخوف على أهلهم وأقربائهم، لكن ليس هناك أي حل، فهناك مئات الأسر التي تركت منازلها في اللاذقية وهاجرت، وقد ذهبت منازلها للشبيحة وعناصر النظام، الذي يسعى إلى جعل الأحياء المعارضة مخترقة بمخبريه وشبيحته عبر تغيير تركيبة سكانها.