يحتاج المرء إلى الكثير من الصبر ليفهم الموقف المعقّد للدكتور دريد، الاختصاصيّ في الطبّ المخبريّ، والابن الأكبر لرفعت الأسد، القائد التاريخيّ للطبعة الأولى من المجازر بحقّ السوريين في الثمانينات.
فدريد، أولاً، يقيم في دمشق، بخلاف والده «المنفيّ» بطريقةٍ غامضةٍ وباذخةٍ في باريس. وأيضاً، على النقيض من والده ومن كثيرين من آل الأسد، لم يتطوّع دريد في أحد التشكيلات العسكرية للنظام بل «أوغل» في الحياة المدنية حتى اكتشف في نفسه موهبة الرسم في مرحلةٍ متقدمةٍ من العمر، فبدأ بنشر صور لوحاته على صفحته على الفيسبوك Douraid Alassad، ثم صار يتبعها، جادّاً، بمعارض يتلهّى بها فيما «الأزمة» تحرق البلاد وتهدّد العرش.
ولكن ألا يحقّ لرجلٍ من الأسرة الحاكمة أن ينأى بنفسه ويتسلى بهواياته النبيلة؟! بالتأكيد نعم؛ ولكن حين لا يكون قد حاز شهادته وعيادته وشركاته وثروته وألوانه وقماش لوحاته من إرث سرايا الدفاع الذي جمع بين حرّيةٍ غير محدودةٍ في النهل من المال السوريّ العامّ وحرّيةٍ أكبر في نهب نظيره الخاصّ من أهالي حلب وحماة ودمشق وسواهم خلال تلك السنوات الكئيبة.
يحقّ للمحلل الطبيّ أن ينتقد، من طرفٍ خفيٍّ، طريقة إدارة ابن عمه للبلاد حين لا يكون البديل الذي يقدّمه الفنان الرقيق هو تشكيل ميليشيا طائفيةٍ موحّدةٍ من متطوّعين من أبناء الساحل للدفاع عن «مناطقهم»، وحين لا يكون مغرماً بصورة والده (كبير العائلة)، وقد رسمها بنفسه، مرتدياً بدلة قائد هذه السرايا التي ولغت في دماء السوريين وأسّست للمجزرة الطائفية الحالية المتجدّدة.
لا يفوق الدكتور في هذا الخبل والتلبيس إلا أبو دريد نفسه، منذ أخرجه شقيقه الأكبر الرئيس من البلاد. إذ جمع، بشكلٍ مضحكٍ وغريبٍ، بين الرسائل المضمرة إلى الطائفة العلوية بأنه الحامي الموثوق والمعتمد القويّ وبين الرسائل الإعلامية و«السياسية» التي تدعو إلى الديمقراطية والتعددية والانفتاح على العالم! هكذا... ببساطةٍ و«براءةٍ» متناهيتين!
وعلى الطرف الأدنى من السلالة ظهر مؤخراً اسم دحية بن دريد. إذ، بالإضافة إلى غرامٍ ملحوظٍ لدى العائلة -المهووسة بجنون العظمة- بالأسماء العربية القديمة؛ فقد سمّى الحكيم ابنه هكذا لاعتقاده الجازم أن الأصول الميمونة لآل الأسد تعود إلى الصحابيّ الشهير دحية الكلبيّ حصراً!
أما دحية المعاصر فهو فتىً حاز الشهادة الثانوية حديثاً، بتفوّقٍ بالطبع، كما هي حال العائلة دوماً. ونشر والده مؤخراً مقطعاً قصيراً له، يلعب الملاكمة مع شخصٍ مجهولٍ زعم دريد أنه «بطل الجمهورية». وفيما توالت الإعجابات والتبريكات لأن الفتى «بطلٌ مثل جده»، تساءل أحد المعلقين: «متأكد دكتور أنه بطل الجمهورية؟ لأن هجوم دحية عليه وتعرّض الطرف الآخر لضربات كثيرة تفوق الـ65 ضربة قوية سددها دحية له بأنه أقل خبرة وغير متمرس».
ليست الحقيقة مهمةً بالطبع... المهم أن «هذا الشبل من ذاك الأسد»!