«قانون أملاك الغائب» يحرم المئات من سكان الطبقة من التصرف بممتلكاتهم

متداولة لأحد العقارات من الطبقة

تعمل اليوم في الطبقة "لجنة أملاك الغائب" التابعة لإدارة قسد المدنية، على تطبيق ما أطلقت عليه "قانون الغائب"، بإحصاء المنازل التي لا يستطيع أصحابها الوصول إلى المدينة لأسباب أمنية أو أنهم غادروا البلاد، على أن إشارات استفهام عديدة تثيرها صياغة القانون وبنوده وتطبيقه.

اعتمدت لجنة أملاك الغائب قانونها الخاص بعد أن نظمته "هيئة قانونية" عرضته على المجلس التشريعي المشكل من قبل قسد، ويضم "شيوخ ووجهاء وممثلين عن كل المكونات"، وبديهي -والحال كذلك- عدم امتلاك الأعضاء دراية قانونية تخولهم مناقشته، لكنهم صوتوا على القانون بعد تعديل بعض الفقرات بما يتناسب مع مقتضيات المصلحة السياسية لقسد. يقول أحد الأعضاء في المجلس التشريعي الذي صوّت على قانون الغائب "أراقب فلان، إن رفع يده رفعتُ يدي، وإن لم يرفع يده فلا أرفع". أحيل القانون بذلك إلى اللجنة التنفيذية (السلطة التنفيذية) لتطبق ما تم تشريعه عبر الدوائر التابعة لها، إن كانت قضائية أو أمنية.

وكما لاقى القانون الاستهجان من طريقة صياغته والتصويت عليه واعتماده، أثارت بنوده واللوائح الخاصة به حفيظة رجال القانون والمحامين، بسبب القيود والشروط التعجيزية التي تضعها أمام أصحاب المنازل، فلا تثبيت للمنازل في سجل العقارات بدون قرار حكم من "ديوان العدالة الاجتماعية" (المحكمة)، ولا تعترف الأخيرة بأية وكالة أو شهود على العقود المبرمة، ما أضاف معاناة جديدة إلى معاناة الأهالي. 

يقول أحد المحامين "القوانين مجحفة بحق الأهالي، فهي تمنعهم من حق التصرف بممتلكاتهم الخاصة، وتفرض عليهم السكن بالمدينة لمدة لا تقل عن عام ليتمكنوا بعدها من بيع منازلهم، مع العلم أن معظم الغائبين من أهالي مدينة الطبقة هم من الأقليات، أو لا يستطيعون القدوم والسكن في المدينة لأسباب أمنية، أو لطبيعة عملهم كون معظمهم يعمل لدى المؤسسات والشركات التي يديرها النظام". وينص القانون على منع بيع أي عقار مالكه غير موجود في المدينة إلا بعد أن يعود إلى منزله ويسكن فيه لمدة عام، خاصة بعدما أصدرت المحكمة قراراً يمنع الوكالات الخاصة والعامة التي تعطي حق البيع للموكَّل، وقصرتها على تسيير الأمور. 

يقول أبو مصطفى غاضباً وهو من سكان الحي الثاني "اشتريت منزل جاري من زمن الجيش الحر بعقد مع وجود الشهود. حاول الدواعش أخذ المنزل مني بحجة أن صاحبه يعيش في مناطق إدلب، وبعد محاولات عدة واستدعائهم للشهود وحلفهم اليمين أقروا بملكيتي للمنزل. انتهينا من داعش أتانا (الديمقراطي)، فلم يعترفوا بالعقد ولا بالشهود ولا بأية وكالة لا من عند النظام ولا غيرها. واللجنة وجهت لي إنذاراً بمراجعتها وإبراز أوراق نظامية تثبت ملكيتي المنزل أو مصادرته... هذا ليس حالي فقط فمثلي كثر".

يظهر الحفاظ على الأملاك وإجبار أصحابها على العودة إلى منازلهم لمنع "التغيير الديمغرافي" كهدف معلن لتشكيل اللجنة وسن القانون، كما يشيع القائمون على اللجنة، على أن الواقع يظهر سيطرة الأخيرة على مئات المنازل وامتلاكها حق التصرف بها، الأمر الذي دعاها لوضع إيجار لكل منزل تبعاً لعدد غرفه، بواقع 5000 ليرة سورية عن كل غرفة، وبهذا يصبح قيمة إيجار شقة مكونة من ثلاثة غرف 15000 ليرة، على أن "تحفظ قيمة الإيجارات في خزينة الإدارة المدنية كأمانة لصاحب العقار لفترة ستة أشهر، ومن بعدها إذا لم يراجعهم تكون ملك الخزينة". 

ويخص قانون الغائب المنازل في كافة أحياء الطبقة، لكن اللجنة المكلفة بتطبيقه انتهت من حصر مناطق الحي الأول والثاني والثالث لوجود أوراق رسمية تعود لمنازل الأحياء الثلاثة، وقد أحصت في الحي الأول وحده 85 منزلاً وضعت يدها عليها، ثم أجرتها حسب الغرفة، وقد بدأت المسح في الحي الثاني مؤخراً.

خلق القانون الكثير من فوضى طلبات إثبات الملكية، وفسح المجال أمام التصرفات الكيدية، وفتحت إجراءات لجنة قانون الغائب شهية عناصر من قسد للاستيلاء على منازل يعرفون جيداً ظروف أصحابها. يروي العم أحمد قصته بوصفه ضحية هذه التصرفات، إذ اضطره كل ذلك القدوم من إدلب لتقديم الأوراق الرسمية التي تثبت ملكيته لثلاثة منازل كان قد أجرها لأقربائه وأوكل لأخيه مهمة استيفاء الإيجار منهم، لكن المستأجرين -الذين ينتمي أحدهم إلى قسد- يرفضون دفع الإيجار منذ أشهر، وأعلنوا استيلاءهم على المنازل بدعوى أن صاحبها عنصر في الجيش الحر. يقول العم أحمد "هددني المستأجرون هاتفياً بأنهم سوف يحبسوني إذا أتيت، وكأننا عدنا إلى زمن داعش، حيث كانوا يستولون على المنازل بحجة أننا (مرتدون في بلاد الكفر)"