«صدمة» الاتفاق بين «قسد» والنظام في مدينة القامشلي

في شارع الوحدة وسط مدينة القامشلي، قضى رائد (30 سنة) النازح من ديرالزور ساعات عصيبة يوم الإثنين 14 تشرين الاول، وهو يستمع إلى نصائح أصدقائه عبر تطبيق واتساب حول خطوته التالية بعد سماع خبر انتشار قوات النظام، بينما المعارك مستمرة بين القوات التركية و"الجيش الوطني السوري" من جهة و"قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" من جهة أخرى.

رائد لجأ إلى القامشلي التي تسيطر عليها قوات قسد هرباً من جور النظام السوري بعد مشاركته الفاعلة في الثورة. لكنه الآن محتار وقلق ولا يدري ماذا يفعل بعدما أعلنت "الإدارة الذاتية" قبل يوم واحد (13 تشرين الأول) التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري لنشر قواته في المناطق الحدودية.

قالت الإدارة في بيان "لكي نمنع ونصد هذا الاعتداء فقد تم الاتفاق مع الحكومة السورية التي من واجبها حماية حدود البلاد والحفاظ على السيادة السورية، كي يدخل الجيش السوري وينتشر على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة قوات سوريا الديموقراطية.. نهيب بكافة أهلنا ومن كافة المكونات في شمال وشرق سوريا وخاصة المناطق الحدودية أن هذا الانتشار جاء من خلال التنسيق والتوافق مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديموقراطية".

ما هي الخيارات المتاحة أمام رائد الآن؟ يبدو شبه متيقن من نهايته المأساوية معتقلاً أو مقتولاً. في هذه اللحظات الصعبة، تواصلت معه عين المدينة عبر واتساب للتحدث عن هواجسه، فخرج إلى شرفة بيته وفتح مكبر الصوت في جواله لتتناهى إلى مسامعنا أصوات هتافات تردد الشعار المشهور لمؤيدي النظام "بالروح بالدم نفديك يا بشار".

بعد ساعات من إعلان الاتفاق بدأ النظام بنشر قواته في مناطق مختلفة من محافظة الحسكة، وأفادت وسائل إعلام تابعة للنظام أن قواته دخلت ناحية تل تمر في ريف الحسكة الشمالي. وبحسب شهود عيان تحدثت إليهم عين المدينة، فإن جزءاً من القوات تابعاً للفوج الخامس هجانة (حرس حدود) في قوات النظام انطلق فجر الإثنين من مركز الفوج وسط مدينة الحسكة باتجاه المناطق الشمالية من المحافظة ووصل إلى بلدة تل تمر ومدينتي الدرباسية وعامودا شمال الحسكة. وأوضح الشهود أن عدد الواصلين إلى تل تمر لم يتجاوز عشرة عناصر، توجه اثنان منهم إلى قرية العالية القريبة من البلدة حيث يتمركز قربها "الجيش الوطني" المتقدم من تخوم رأس العين، حيث أقام العنصران حاجزاً رفعا عليه علم النظام. وتم لاحقاً تعزيز قوات النظام في محيط العالية بعد فرض مهلة ال120 ساعة أو خمسة أيام للقوات الكردية للانسحاب من منطقة الحدود مع تركيا، وبدا إرسال هذه التعزيزات بمثابة فصل بين قسد والقوات المهاجمة من الطرف التركي. كما اتجهت قوات أخرى من مطار القامشلي وفوج طرطب (154) في ريف القامشلي إلى مدينة القامشلي وبعض القرى المحيطة بها، وإلى بلدة تل براك. 

والمعروف أن النظام كان يفرض سيطرته على جزء من مدينة القامشلي قبل اندلاع الأحداث الأخيرة، ويشرف فيها على الدوائر الحكومية عبر أجهزته الأمنية التي تتبع لها ميليشيات محلية عدة تنتشر في المنطقة الخاضعة لسيطرته التي تسمى المربع الأمني. وفي المدينة يسمح بالدخول إلى المربع الأمني والخروج منه من دون تشدد في الإجراءات، ويقع بالقرب منه شارع الوحدة الذي يقطنه رائد حيث اعتلى قناصون من قوات قسد أسطح البنايات منذ بدء المعارك على الحدود التركية السورية.

يوم الثلاثاء 14 تشرين الاول، كان الشاب قد هدأ قليلاً بعد أن تبينت له طبيعة "الانتشار" الذي تتكلم عنه التقارير الأخبارية. أسوأ التقديرات تتوقع ذهاب منطقة الجزيرة السورية برمتها للنظام، لكن ذلك سيكون على مراحل تراعي العديد من الملفات العسكرية والسياسية مثل وضع المقاتلين في قوات قسد والأحزاب الكردية، الأمر الذي سيتيح لرائد إيجاد مخرج لوضعه كما يعتقد. كما أن هناك تقديرات أخرى تقلل من تبعات الاتفاق، وترى في روسيا سداً في وجه تسونامي فظاعات قوات النظام وميليشياته.

ولا يثق الشاب بالتقديرات الأخيرة، لكنه عاد إلى عمله السابق في السوق بعد أن علم أن السيارات التي شاهدها تجوب أنحاء القامشلي "كانت لمؤيدين للنظام من القامشلي تجولوا في شارع الوحدة ثم دخلوا إلى ساحة السبع بحرات حيث تمثال حافظ الأسد في المنطقة الحيادية الفاصلة بين سيطرتي قسد والنظام، وأعلام قسد التي أنزلت عن المقرات والحواجز كانت لتجنب القصف التركي"، حسب ما روى لعين المدينة.

لكن رائد لم يتوقف عن التفكير في مصيره، رغم ما شاهد حوله من انتشار كثيف لمجموعات مسلحة تابعة لقسد في بيوت قريبة من المربع الأمني، ودوريات حراسة في الأحياء، فضلاً عن الدروب المسقوفة بين المحلات التجارية (العبارات) التي تضم بكثافة مسلحين تابعين للأساييش ومدنيين.

فالشاب في النهاية مثل مدنيين كثيرين دفعهم الخوف من القصف إلى النزوح من مدينة الى مدينة ومن حي إلى حي، وهم محتارون في أمرهم بخصوص وجهة نزوحهم لتجنب الملاحقة المحتملة من قبل قوات النظام. وأخذ رائد يقلب الخيارات المتاحة أمامه بين استخراج أوراق انتماء شكلية إلى ميليشيات تابعة للنظام، أو الحصول على ما يسمى "ورقة مصالحة" من مكتب الأمن الوطني عبر السماسرة والوسطاء مقابل المال تحمي حاملها من شبح الاعتقال، أو النزوح إلى مناطق أكثر أمناً في الريف، مثلما فعل قسم من سكان مدينة القامشلي. 

يقدر ناشطون تحدثت إليهم عين المدينة، عدد عناصر قوات النظام الذين يتواجدون في الحسكة ومن المتوقع إعادة انتشارهم بين 500 وألف عنصر، معظمهم من حرس الحدود "الهجانة" و"الدفاع الوطني"، وبعض عناصر المخابرات العسكرية في الحسكة. وأضافت هذه المصادر أن الانتشار العسكري لقوات النظام في الحسكة تم "بكل سلاسة"، ولم يواجه أي عقبات تذكر، خصوصاً من القوات الأميركية التي كانت منتشرة في بعض القواعد العسكرية داخل المحافظة قبل أن تنسحب نهائياً، باستثناء معلومات عن تراجع النظام من مدينة المالكية بسبب رفض أميركي. وتسيطر قوات قسد على مدينة المالكية القريبة من الحدود التركية والعراقية أقصى شمال شرق سوريا، بينما يتناقل ناشطون معلومات مؤخراً عن انتشار قوات النظام في محيط اليعربية ورميلان القريبتين من المدينة.

وقال سياسي كردي مقرب من وحدات حماية الشعب رفض كشف هويته لعين المدينة إن "الاتفاق بين دمشق والإدارة الذاتية عسكري، وإن الجانبين سيبحثان القضايا السياسية في وقت لاحق"، بدون أن يخوض في تفاصيل ذلك. من جهتهم، رفض العديد من الناشطين والسياسيين الأكراد الرد على تساؤلات لعين المدينة عن مدى صحة ما تحدث عنه ناشطون من انقسام داخل قوات قسد حول طبيعة الاتفاق مع النظام. فثمة من يقول أن عرابي الاتفاق والمؤيدين له من القادة الذين لهم صلة مباشرة بالتنظيم الأم لحزب العمال الكردستاني pkk ولا يحمل معظمهم الجنسية السورية أصلاً، أما رافضوه فهم إما شباب تخلفوا عن الخدمة العسكرية في سوريا وخدموا لدى الوحدات الكردية، أو ناشطون سابقون في التظاهرات التي ناهضت النظام، يضاف إليهم أيضاً عناصر من الأسايييش.

وتجلى هذا الانقسام في أكثر من حادثة حملت العديد من الدلالات. فقد قام رافضو الاتفاق بطرد مدير المنطقة في مدينة القامشلي لطفي السمعان مع مدير التربية من مدرسة العروبة وسط القامشلي حين قصداها بعد انسحاب قسد منها، يضاف إلى ذلك أن حواجز أخرى لقسد منعت مرور سيارات للمؤيدين ترفع أعلام النظام، بينما حرصت غالبية الحواجز على منعهم من حمل السلاح في سياراتهم، نقلاً عن شهود. في المقابل قام العديد من عناصر قوات الحماية الذاتية التابعة لقسد بنزع لباسهم العسكري وارتداء لباس مدني ورفع أعلام النظام في أماكن تواجدهم في الحواجز ونقاط سيطرتهم في مدينة الحسكة والقامشلي وعامودا والدرباسية.

نقل عناصر الكتيبة 46 هجانة من الحسكة إلى تل تمر