(صناديق الانتخاب التي لا يعرف أحد في أي قمامة ترمى بطاقاتها).. عن المجالس المحلية والأكفأ في تلقي الصفعات من الحواجز

صناديق الانتخاب - متداول

لم يكن غريباً على انتخابات المجالس المحلية التي جرت خلال منتصف الشهر الحالي، أن يتم تسريب أسماء الناجحين في معظم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري قبل بدء الانتخابات أصلاً، فهو ما بات معتاداً في أغلب العمليات الانتخابية التي يجريها النظام؛ ببساطة كان من السهل أن تعرف كل منطقة أسماء الناجحين فيها قبل البدء بالانتخابات، ومن المعتاد أيضاً أن تسلم كل أسرة بطاقاتها الانتخابية أو هويات أفرادها لأي موظف يعمل في اللجان الانتخابية، ليقوم هو بالانتخاب عنهم.

إلا أن الارتباك والفوضى الذين عاشتهما دوائر النظام خلال فترة الانتخابات كان لافتاً للنظر، ومختلفاً في تفاصيله بين منطقة وأخرى، بين ارتباك عدم وجود مرشحين في جبلة أدى إلى توجيه السلطات لدوائرها الحزبية للتوجه فوراً وتقديم الأسماء للترشيح، لتشهد خلال ساعات قليلة محكمة جبلة ازدحاماً تاريخياً انتهى بوجود 1350 مرشحاً يتسابقون على 20 مقعداً، أسماء الناجحين بها معروف مسبقاً بالتأكيد كمختلف المجالس الأخرى.

وفي الدريكيش ونتيجة إهمال معين، أو انشغال اللجان المسؤولة بمناطق أخرى أو بمركز المحافظة، غابت عنها الحملات الانتخابية، لتبدأ الانتخابات دون معرفة غالبية سكان المنطقة بوجود انتخابات أصلاً، حتى أن وسائل الإعلام التي جابت تسأل المواطنين عن آرائهم بالانتخابات، تلقت أجوبة تقول "عن أية انتخابات تتحدثون؟"، فيما ارتبك آخرون ظانين أن الانتخابات الرئاسية قد بدأت.

قوائم "الوحدة الوطنية" كانت هي الحاضرة كأول المرشحين، وهي من سيكون الفائز أيضاً بما تضمنته من أسماء أعضاء حزبيين معروفين في كل منطقة، ممن تبيّن دراساتهم الأمنية أن لا ارتباط لدى أي منهم بأي شخصية أو موقف سياسي "معارض أو رمادي أو حتى ناقد ولو للفساد" وفق المحامي فادي السلطان من الشيخ بدر، والذي أكد لعين المدينة، أن كل الشخصيات التي انتخبت كانت بطبيعة الحال شخصيات "غير فاعلة في المجال السياسي، ولا حتى بالظهور الإعلامي للدفاع عن النظام.. شخصيات هلامية تماماً.. بلا موقف، فحتى الشخصيات القوية وذات التأثير في المنطقة هي غير مطلوبة لهذه المقاعد بالذات، المطلوب مشلولون تماماً عن أي عمل، كي لا يكون أصلاً لهم أي صوت حتى في مواجهة الحاجز المقابل لبلدياتهم، يجب أن لا يكونوا قادرين على الدفاع عن أية سلطة".

جو (الديمقراطية) الذي يصطنعه النظام بين وقت وآخر لم يغب عن الانتخابات بالتأكيد، فبشكل مفاجئ تمت إعادة الانتخابات في صندوق حديقة الفرسان باللاذقية، "لثبوت وجود تلاعب في العملية الانتخابية.. وعينت لجنة انتخابية جديدة للإشراف عليه"، وفق وكالة سانا، وهو ما لن يؤثر بالتأكيد على النتائج الموجودة مسبقاً.. يقول المحامي "عادة ما يتم توجيه تهم التلاعب بالأصوات لصندوق انتخاب ما، ليعاد الانتخاب أو فرز الأصوات فيه، ويصبح هذا الخبر أهم من أخبار النتائج ذاتها، كونه يشير إلى مدى اهتمام النظام بسريان العملية الديمقراطية في صناديقه.. الصناديق التي لا يعرف أحد في أي قمامة ترمى بطاقاتها".

تخوض المجالس المحلية حالياً استحقاقاً تاريخياً مهماً للغاية في سوريا، فهي تتحول اليوم من خلال هذه الانتخابات إلى مستوى أقل قدرة على المواجهة في مناطقها، ولا يعني أنها كانت أصلاً قادرة على مواجهة أي تحدّ حقيقي، إلا أنه كان لرئيس البلدية وأعضاء المجلس المحلي قدرة -في الحد الأدنى- على مراقبة المخططات التنظيمية، أو تقديم خدمات معينة للسكان، أو جني الضرائب؛ أما اليوم فانتقاء شخصية أكثر هزالة في هذه المجالس، إنما يصب في منعها أصلاً من لعب هذا الدور؛ فالسلطات الأمنية المحلية، ومفارز الفروع، وحواجز الدفاع الوطني، والكتائب التي تختلف أسماؤها، هي تماماً القادرة على تخطيط وتسيير أي نشاط اجتماعي وخدمي في المناطق السورية.. "لن تستطيع أي بلدية حفر شبكة صرف صحي، أو ردم حفرة، أو تنفيذ مطب في شارع عام، ما لم تأخذ موافقة واضحة من أقرب قوة مسلحة، وأضعف عسكري موجود على أي حاجز بإمكانه إيقاف سيارة رئيس البلدية ببساطة وتفتيشه وسلبه أوراقه الرسمية إن أراد.. لذا ما ستفرزه الصناديق، هم كائنات قادرة على التعامل في وسط هذه الغابة، أي قادرة عند المرور من أول حاجز أمني أو عسكري على مدّ أعناقها لتلقي الصفعات، ثم إكمال مهماتها الخدمية" يقول المصدر.