"رغيف الميادين"... الرغيف الأكـثر شـهرة

عرائس الفرات للفنان عبود سلمان

حين كانت إحداهنّ تناول "رغيفها" للأخرى كانت تُتبع أعطيتها هذه بسيلٍ من التحذيرات والنصائح للمرأة الجديدة على التجربة، كي يتحقق مرادها وتنال ما تسعى إليه. هذا ما يحدث الآن في ريف الميادين فيما يتعلق بـ"الرغيف" الذي يتمّ تداوله بين النسوة، لتحقيق الأماني. عدا عن كمٍّ كبيرٍ من الخرافات التي بدأت تشيع يوماً بعد يومٍ في الميادين وريفها.

"عين المدينة" حاولت تتبع العديد من تلك الخرافات وكيفية تعامل الناس معها، بالإضافة إلى أسباب انتشارها، والشريحة الاجتماعية التي تؤمن بها. السيدة زهرة عطا الله، معلمة مدرسةٍ في ريف الميادين، أوضحت لـ"عين المدينة" أن الشريحة العمرية التي تؤمن بتلك الخرافات كانت تنتمي إلى كبيرات السنّ من النساء، أما الآن فهي تنتشر في بين الشابات، المتعلمات منهنّ والأميات على حدٍّ سواء. حدثتنا عطا الله في البداية عن "رغيف الميادين": هو قطعة خبزٍ يتمّ تداولها بين النساء وفي المدارس بصورةٍ خاصة. ويتمّ التعامل مع قطعة الخبز تلك على أنها خبزةٌ مباركة. يجب على المرأة صاحبة الحاجة أن تأخذ رغيف الخبز ذاك وتضعه في إناءٍ محكم الإغلاق، وتقرأ عليه سورة "يس"، ثم تذكر حاجتها. وعليها هنا أن تحرص كي لا يراه أحدٌ من الذكور حتى لو كان مجرّد طفلٍ رضيع،
لأن الرغيف سيفسد ويصبح عديم الجدوى. أما إن نفّذت المرأة هذه النصائح فإن الرغيف سيتحول في اليوم التالي - عند المرأة الصالحة - إلى رغيفين منفصلين فوق بعضهما البعض، عليها أن تحتفظ بأحدهما وتعطي الآخر لامرأةٍ أخرى تحتاجه لتحقيق رغبةٍ ما. بالطبع، حين سمعتُ الحكاية استهجنتُها. ولكنني حين شاهدت صديقاتي يقبلن على تداوله، وتقسم كل واحدةٍ منهنّ إنها جرّبت الرغيف ووجدته في الصباح وقد تحوّل إلى اثنين، وإن ما كانت تتمناه قد تحقق؛ شعرتُ برغبةٍ شديدةٍ تدفعني لتصديقهنّ. ليس لديّ أولاد، وقد يكون مفعول الرغيف حقيقاً؛ هذا ما كانت تحدثني به نفسي وأنا أرى اندفاع زميلاتي للحصول عليه. إلا أنني أعود وأفكر في الأمر وأستغفر الله. وطبعاً يوجد العديد والعديد من القصص المماثلة التي تنتشر ثم تعود لتضمحل. ولكن ربما يعدّ هذا الرغيف هو الأشهر بينها، بسبب سرعة انتشاره بين النساء الأميات كما بين المتعلمات، مع الأسف.

اختفـــاء الســـحر قسراً... فاقم الخرافات

وحول أهم الأسباب التي أدّت إلى انتشار هذه الظاهرة التقت "عين المدينة" بالسيد ناصر علاوي، أحد رجال الدين في ريف الميادين، والذي ردّ هذه الظاهرة، بالدرجة الأولى، إلى انتشار الجهل ومظاهره المتعددة، حتى بين الشريحة التي يمكن أن يُطلق عليها "المتعلمون". كما يضيف العلاوي سبباً آخر هو: طولُ الأزمة السورية، وامتداد الحرب التي شملت آثارها كلّ مكانٍ في سوريا بلا أيّ أفقٍ من آفاق الحل. إن هذا الأمر، حين يجتمع مع ضعف الإيمان، لا بدّ وأن يجرّ المرء إلى الإيمان بالخوارق والتعلق بها وانتظار الحلّ من غير الله عزّ وجلّ، والعياذ بالله. ويمكن القول هنا أيضاً إنه، وعلى مرّ العقود، كانت شريحةٌ من الناس تتعلق بالسحر والشعوذة والخرافات. وهذه الشريحة كانت موجودةً في منطقتنا، وإن كانت قليلة. وفي العامين الأخيرين، مع سيطرة جبهة النصرة، وارتفاع الصوت الإسلاميّ في المنطقة، تراجع "السحر" بشكلٍ كبير، ويكاد يكون قد اختفى من المنطقة، بسبب المخاوف من العقوبة التي يمكن أن يتعرّض لها من يمارس الشعوذة أو يدعو إليها. ومع غياب الشعوذة بدأ يظهر بشكلٍ واضحٍ هذا الميل إلى تصديق الكثير من الخرافات، وانتشارها بشكلٍ ملفتٍ يستحق التوقف.