- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
التدخل الأميركيّ البرّيّ شمال سوريةمواقف ووجهات نظر مختلفة
أثارت حادثة دخول جنودٍ أميركيين إلى مدينة الراعي الحدودية جدلاً واسعاً على الساحة، بعد انتشار مقطعٍ مصوّرٍ ظهر فيه ملثّمٌ من «تجمع أحرار الشرقية» التابع للجيش الحر،ّ أحد المشاركين في عملية «درع الفرات» المدعومة تركياً، وهو يهتف ضد «التواجد الأمريكيّ»، واصفاً بعض فصائل الجيش الحرّ بـ«عملاء أمريكا».
حرب الفتاوى والبيانات
بدأ إعلان المواقف والبيانات في 16 أيلول، عقب الحادثة، إذ نفى تجمع أحرار الشرقية علمه المسبق بدخول الجنود الأميركيين، معلناً رفضه القاطع للأمر، بسبب ما وصفه بخذلان الولايات المتّحدة لقضيّة الشعب السوريّ ودعمها المعلن لعصاباتPYD الانفصالية، وفق تعبير البيان.
سارعت حركة أحرار الشام الإسلامية بعدها لإصدار فتوىً أجازت فيها القتال إلى جانب القوات التركية، معللّةً ذلك بضرورة عدم السماح بسقوط المنطقة تحت سلطة فصائل معادية كحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ووعدت بإصدار بيانٍ لاحقٍ حول «الأمريكيين» ريثما تصبح الصورة أكثر وضوحاً.
وسرعان ما تتالت الفتاوى التي كان أولها بيان «تجمّع أهل العلم» (كيانٌ شُكّل حديثاً ليكون «مرجعية شرعية». يقيم معظم أفراده في إدلب، من أبرزهم السعوديّ عبد الله المحيسني) الذي أصدر فتوىً أجاز بموجبها القتال إلى جانب تركيا بشرط تمايز «الفصائل المجاهدة الصادقة» عن «فصائل البنتاغون» حسب وصفه؛ إذ اتهم كلاً من فرقة الحمزة واللواء 51 ولواء المعتصم بالتبعيّة للولايات المتحدة، معلناً حرمة «التنسيق مع القوات الأميركية وأذنابها» واعتبارها قوات احتلالٍ غازيةٍ عدوّةٍ للثورة، حسب ما جاء في بيانه في 23 أيلول.
جبهة فتح الشام: القتال في الشمال محرّمٌ تحت أي طرفٍ إقليميٍّ أو تحالفٍ دوليّ
ولم تمض سوى ساعات قليلة حتى أصدرت جبهة فتح الشام بياناً قالت فيه إن القتال في الريف الشماليّ محرّم شرعاً تحت أيّ طرفٍ دوليٍّ أو إقليميّ، لا على جهة الاستعانة ولا من باب التنسيق معه، لأن «واقع الحال ليس استعانة، ولعدم توفّر الشروط الشرعية اللازمة في هذه الحالة» على حد تعبيرها.
ولم يقتصر البيان على تحديد موقف الجبهة، بل تعدّاه إلى وضع كلّ من «يتعامل مع الأمريكيين»، «أياً كان نوع التعامل وتحت أي مبرر وذريعة» على قائمة «من يتولى الكافرين»؛ فالأميركيون عدوّ كافرٌ صائلٌ مباشرٌ على المسلمين، حسب بيانها في 23 أيلول أيضاً.
وجاء بيان الجبهة متناغماً وموافقاً لبيان «أهل العلم» لجهة اتهام فرقة الحمزة ولواء المعتصم بالعمالة والارتهان للخارج وتنفيذ أجنداتٍ أميركية.
استنكارٌ واسعٌ لبيان «أهل العلم» وانسحاباتٌ بالجملة
لم يخرج بيان فتح الشام عن المتوقّع، إلا أن بيان «أهل العلم» جاء مستغرباً واستهجنته الكثير من الجهات الشرعية، خصوصاً وأن التجمّع يضمّ عدداً من الباحثين المعروفين بنهجهم البعيد عن الأحكام والمواقف التي تتبنّى خطاب «الغرب الكافر وتكفير وتخوين المتعاملين معه بمقتضى الحال والواقع»، فمن الموقّع على الفتوى إذاً؟
من خلال البحث والمراجعة تبيّن أن عدداً من أعضاء التجمّع لم يكونوا على علمٍ بالفتوى التي تمّت صياغتها عبر مجموعةٍ من الأعضاء دون الرجوع إلى البقية، وهو ما دفع بعضهم إلى إعلان استقالته، ومن أبرزهم الباحث والمحاضر عباس شريفة، وأحمد نجيب رئيس الهيئة القضائية في حركة أحرار الشام. وقد علّق أحد المنسحبين قائلاً: «تجاوز البيان حدود إبداء الرأي الشرعيّ بالنوازل إلى إصدار حكمٍ قضائيٍّ على الفصائل!».
المجلس الشرعيّ بحلب يردّ على تجمّع «أهل العلم»
بدوره قال المجلس الشرعيّ في محافظة حلب (مؤسّسةٌ علميةٌ نقابية، تعدّ أكبر مظلّةٍ جامعةٍ لذوي التّخصص في المحافظة، وترعى كافة الشؤون الدينية فيها): إن المعركة واضحة الأهداف والمعالم، ولا ينبغي لمسلمَيْن الاختلاف في حكمها؛ إلا أن كثرة الفتاوى اقتضت التنويه إلى أن مشاركة الثوار في المعركة مع تركيا المسلمة هو جهادٌ شرعيّ، ليس فيه أيّ محظور، وأن الهجوم على «مجاهدي الشمال» من «الإرجاف المحرّم»، حسب بيانه في 23 أيلول أيضاً.
ورغم أن المجلس الشرعيّ بحلب هو أحد مكوّنات المجلس الإسلاميّ السوريّ، إلا أنه سارع إلى إصدار هذه الفتوى مستبقاً مظلّته الجامعة –هذه المرّة– خشية تأخرها، وقطعاً للطريق على أيّ فتاوى أخرى من شأنها «إحداث فتنة» بين فصائل الشّمال، وبالتالي تعطيل معركة «درع الفرات» التي باتت طوق النجاة الوحيد بالنسبة إلى الكثير من السّوريين.
المجلس الإسلاميّ: قتال الشمال مشروعٌ والاستعانة على الصائلين مشروعة
بعد سلسلة الفتاوى المتضاربة جاءت فتوى المجلس الإسلاميّ السوريّ (مرجعيةٌ شرعيةٌ علميةٌ، تعدّ أكبر مظلةٍ لكبريات الروابط الشرعية السورية، وتمثل تديّن معظم السوريين بمنهجه الوسطيّ المعتدل. يرأسه الشيخ الدمشقيّ أسامة الرفاعي) الذي أوضح، في بيانٍ له بتاريخ 24 أيلول، بأن فتوى كهذه لا بدّ من الرجوع فيها إلى العلماء الراسخين، بعيداً عن الغلاة والمتنطّعين فضلاً عن الجاهلين والمتأوّلين! وأضاف: قتال داعش وPYD مشروعٌ لأنهما صائلان معتديان، والاستعانة بمن يعين على قتالهم وردّ صيالهم مشروع، في ظلّ الحاجة وعجزنا عن ردّ صيالهم المستمرّ.
الجيش الحرّ: خُلقنا أحراراً، ومرجعيّتنا الشرعية مستمدةٌ من المجلس الإسلاميّ
وعَقِبَ بيان المجلس الإسلاميّ السوريّ سارعت فرقة الحمزة ولواء المعتصم واللواء 51 إلى التأكيد، في بيانٍ لها في 24 أيلول، على أنها تستمد مرجعيّتها الشرعية من المجلس الإسلاميّ السوريّ والمجلس الشرعيّ في حلب، مؤكدة التزامها بمبادئ وأهداف الثورة السورية، وعدم تبعيتها لأيّ جهةٍ خارجية، واضعةً إرضاء الله ودفع الظلم عن السوريين هدفاً أساسيّاً نُصب أعينها.
ولم يغب جيش الإسلام عن المشهد؛ إذ أعلن تأييده لفتوى المجلس الإسلاميّ واصفاً إيّاها بالفتوى المسدّدة، الموافقة الشرع في ردّ صيال المعتدين وتأمين المدنيين وتوفير الحماية لهم، معتبراً أن تكفير تركيا ليس سوى امتداد لفكر «الخوارج والغلاة»، كما ورد في بيانه الصادر في 25 أيلول.
لواء المعتصم: نثق بإخوتنا الأتراك وتربطنا بهم مصالح مشتركة
بدورنا أجرينا مقابلةً مع مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسيّ في لواء المعتصم، للاستفسار أكثر حول أسباب مشاركتهم في «درع الفرات» وإصرارهم على المضيّ فيها رغم تعرضّهم لهجمةٍ إعلاميّةٍ كبيرة، فقال: «إن «درع الفرات» مصلحةٌ سوريةٌ توافقت مع المصلحة التركية. وما يربطنا بتركيا أكثر من أن يذكر، فهي عمقنا الإستراتيجي، ويربطنا بها عامل الدين والقرابة والجغرافية والمصالح».
وعن دخول الجنود الأميركان قال: «نؤكد بأننا نثق بإخوتنا الأتراك وقيادتهم في التعاطي مع المجتمع الدوليّ والمحيط الإقليميّ بما يخدم المصالح المشتركة، وهم طلبوا دخول الأميركيين بغية التنسيق بين المدفعية التركية وطيران التحالف. تكسب تركيا بذلك غطاءً دولياً، ونكسب نحن تخلّي الدّول الكبرى عن الأسد كشريكٍ لها في محاربة الإرهاب المتمثل حقيقةً في الأسد كرأسٍ للإرهاب وداعش وPKK وفروعها من وجهة نظرنا».
وأوضح سيجري أن وجود الأميركيين لا يعني استقرارهم وبناء قواعد عسكرية، وإنّما مجرد تنسيقٍ عسكريٍّ مرحليٍّ مع تركيا تنتهي أسباب وجوده قريباً.
وهنا ثمة تساؤل: كيف تدّعي أميركا دعم تركيا في تحرير الشريط الحدوديّ من التنظيمات الإرهابية، وتدعم في آن واحدٍ PYD الذي صرحت تركيا بأن من أهداف «درع الفرات» طرده من المنطقة؟
وللإجابة عن هذا السؤال التقينا المحلل السياسيّ المختصّ في الشأن التركي أ. ناصر تركماني، الذي قال: «إستراتيجيّة الولايات المتحدة معروفة تاريخياً بأنها تراهن على كل «أطراف الصراع» بحيث يجب أن يكون انتصار أي طرفٍ نصراً لها في النهاية، بغضّ النظر عن أخلاقيات وتوجهات الأطراف. وبدا جلياً كيف أنّها حاولت تطبيق إستراتيجية «سَجْن تركيا في حدود الأناضول» عبر إنشاء دُويلةٍ كرديّةٍ في الشمال السوريّ تكون في حالة عداءٍ مع الدولة التركية».
مصطفى سيجري
ويضيف: «زجّت واشنطن بقوتها في الشّمال لمراقبة عملية الدرع لعدم اطمئنانها، ولشعورها بوجود خطةٍ واستراتيجيةٍ تركيةٍ بديلةٍ تتوافق مع رؤية الثورة السورية وتتعارض مع خطتها؛ ماذا لو أدخل الأتراك أسلحةً نوعيةً ودرّبوا الفصائل الثورية على تكتيكات المعارك الحديثة؟».
ولكن هل ستستمرّ عملية درع الفرات في ظلّ ما يعتريها من معوّقات؟
يتابع تركماني بأن التدخل التركيّ مرتبطٌ بتفهّم المعارضة السورية نقطةً جوهريةً مفادها أن الوجود التركيّ في سورية يعدّ الضمانة الوحيدة لمنع التقسيم واستهداف السنّة؛ لذلك فإن استمرار المعركة عسكرياً لا شكّ فيه، فالأتراك لا يملكون إيقافها لأنها تتعلق بمصير الأمة التركية، أما سياسيّاً فهي متعلّقةٌ بمواقف الفصائل السورية؛ إمّا أن تقف مع تركيا وتنجو بذاتها وثورتها بالاعتماد على قوةٍ إقليميةٍ كتركيا، أو أن ترفض، وبالتالي ربما يقبل الأتراك بمشروع أميركا ككلّ مع ضمان حماية مصالحهم!
فإن كنّا غير قادرين على منع الوجود الأميركيّ، وفي الوقت ذاته نخشى تمدّد PYD الذي يسعى إلى المضيّ في مشروعه عبر احتلال قرىً عربيّةٍ جديدة، ينتزعها من داعش تارةً وأخرى من الجيش الحرّ؛ فما هي الصيغة الأنسب للخروج من هذا المأزق؟
يجيبنا الكاتب والمحلل السياسيّ عبد الرحمن الحجي في لقاءٍ مع «عين المدينة»: إنّ استعداء الولايات المتحدة يزيد فرص دعمها لـPYD باعتباره الحليف الوحيد الممكن على الأرض، لذلك حريٌّ بالجيش الحرّ كسب الأميركيين كحلفاء، والاتفاق معهم على أهداف وحدود وجودهم العسكريّ. ويضيف: أطلقت الولايات المتحدة معركة الرّقة بدون الجيش الحر، رغم وجود مفاوضاتٍ تركيةٍ معها حول العمليّة. وقد نجحت YPG على الأرض في ظلّ الدعم الأميركيّ لها رغم أنها تمثّل أقلية، فلماذا لا يكون الجيش الحرّ الذي يمثل «الأكثريّة» هو الشريك؟
ومن هنا أقول: في علم السياسة علينا التفكير بمصالحنا الوطنية وتخليصها من بين أنياب أصحاب المصالح؛ لذلك لا ينبغي ترك أميركا للـPYD، هذا خطأ قاتل!