50 جريمة في شهرين.. انفلات أمني في منطقة قسد بدير الزور

إحدى المظاهرات من قرى وبلدات ريف دير الزور الشرقي ضد قسد

"أين العقلاء؟.. أين الوجهاء؟.. أوقفوا إطلاق النار.. هناك إصابات.. احقنوا الدماء".

أطلق هذا النداء من مكبرات الصوت في مسجد، أثناء اشتباك بالأسلحة النارية نشب في شهر كانون الأول الماضي، بين أقارب في بلدة غرانيج الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في محافظة دير الزور. ومع غزارة الرصاص لم يكن بوسع أحد التدخل للتهدئة إلا بعد أن تعب الطرفان المتحاربان وتعبت البلدة كلها.

لم تعد هذه الواقعة  نادرة، بل أصبحت اعتيادية في معظم القرى والبلدات في هذه المنطقة، فكل يوم أو يومين يحدث اشتباك بين أسرتين من عشيرة أو عائلة واحدة، وأحياناً داخل الأسرة الواحدة، أو تحدث جريمة قتل تنسب لفاعل مجهول، أو خطف أو سلب تحت تهديد السلاح، إضافة إلى حوادث السرقة المتنوعة التي تطال ممتلكات عامة وخاصة.

في شهري كانون الثاني وكانون الأول الفائتين، ووفق الأخبار اليومية المنشورة في صفحات فيسبوك إخبارية محلية، بلغ عدد الحوادث والجرائم التي استخدم فيها السلاح 50 تقريباً، جاء معظمها إما في سياق نزاعات أهلية، أو سياق جنائي مرتبط بالسرقة والسلب، أو أمني مرتبط بالخلايا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

يقول محمد وهو ناشط في منظمة خيرية، أن الانفلات الأمني هو أكبر التحديات التي يواجهها سكان المنطقة "الأمان مفقود، ومقتل شخص ما صار خبر عادي ينتسى بسرعة، بعدما كان بالماضي موضوع حديث الناس لأسابيع". وقد يتطور أي شجار لفظي بين شخصين إلى اشتباك مسلح قد يسفر عن سقوط قتلى وجرحى، ما يعني بداية لسلسلة من حوادث الثأر والانتقام اللاحقة، كما تتسبب كل جريمة خطف أو سلب أو سطو مسلح، تنسب لفاعل مجهول بمزيد من الجرائم المشابهة، وأما خلايا داعش التي انخفض عدد عملياتها عما كانت عليه قبل عام أو عامين، فلم تعد  المسبب الأول لحالة الاضطراب التي تشهدها المنطقة، وفق ما يرى الناشط الذي يذكر بأن تنظيم داعش ومن خلال عمليات الإعدام التي نفذها في معظم القرى والبلدات في أثناء سيطرته، أو تلك المنقولة عبر الانترنت، هو أول من كسر الحاجز النفسي لدى الشبان والمراهقين والأطفال إزاء فعل القتل.

إلى حد كبير تتحمل السلطة القائمة مجسدة بالإدارة الذاتية وذراعيها العسكري (قسد) والأمني (قوى الأمن الداخلي) مسؤولية الانفلات الأمني في دير الزور، حيث فشلت هذه السلطة في إرساء الحد الأدنى من مقومات الأمن في المنطقة، ومن النادر أن يلقى القبض على القتلة أو على اللصوص وقطاع الطرق. ووفق تقديرات مقربين من هذه السلطة، يبلغ عدد عناصر قوى الأمن الداخلي 4 آلاف عنصر، يتوزعون جغرافياً على العديد من المراكز المنتشرة في معظم المدن والبلدات، إلا أنهم ورغم ضخامة أعدادهم، بلا دور يذكر في فض الاشتباكات الأهلية أو تعقب المجرمين وإلقاء القبض عليهم. وبلا دور حتى في تحقيق الحد الأدنى من الأمان على الطرقات الرئيسية، ولا سيما بعد غروب الشمس. ونتيجة لغياب هذا الدور تتوقف تقريباً حركة المرور والتنقل ليلاً على بعض الطرق. ويتهم أحمد وهو مدرس سابق من منطقة البصيرة، بعض عناصر ومجموعات قسد بأنهم متورطون ببعض جرائم السلب و"معهم الدواعش" كما يقول، إضافة إلى "الحرامية وقطاع الطرق العاديين"، وباستثناء الحالات الضرورية يتجنب أحمد الذي أصبح يحمل مسدساً، التنقل بعيداً عن منطقته "لأن الواحد صار ينقتل وما ينعرف مين قتله وليش انقتل".

وأمام هذا الفشل الأمني للإدارة الذاتية وقواتها المختلفة، لا تبدو البدائل التي يلجأ إليها الأهالي في تسوية النزاعات فعالة إلا في الحد الأدنى، فبالرغم من أهمية دور جلسات الصلح والتقاضي العشائري في التهدئة، إلا أنها ليست كافية، لأنها تفتقد إلى آليات التنفيذ أو إلى الأدوات التي تجبر أحد الطرفين على تنفيذ الأحكام الصادرة عنها. كما أنها تعتمد على الرغبة الشخصية لدى طرفي النزاع بالمثول أمام هذه اللجان أو الأشخاص الذين ينظمون هذه الجلسات.

بدون "حزم وردع وعقاب" كما يقول عبد الله وهو طالب جامعي سابق من أهالي منطقة الكسرة في الريف الغربي، يتزايد عدد الجرائم وتمتد ظاهرة العنف إلى المزيد من المجتمعات المحلية، فبعدما كان الريف الغربي بالعموم يُعد منطقة هادئة وآمنة كما يؤكد محمد، وقعت في الشهر الماضي ثلاثة جرائم قتل، أحدها ثأراً واثنتان نفذها مجهولون، إضافة إلى العديد من جرائم السرقة والسلب على الطرقات.

ويشير محمد إلى عامل إضافي في اتساع ظاهرة الانفلات الأمني التي تشهدها دير الزور، وهو انتشار تهريب وتعاطي المخدرات التي "تدفع بعض المتعاطين للسرقة والتشليح، أو إلى القتل تحت تأثير التعاطي في بعض الحالات".