وليد العـبد الله...نجم الثورة الجريح

من بابا عمرو في حمص

وائل اسماعيل

اسمٌ عرفه كثيرٌ من السوريين، وعرفته المعارك في حي بابا عمرو بحمص، يوم كانت حمص بوصلةً للثورة وعاصمةً لها، ويوم تحمّلت حمص أكلاف الحفاظ على الثورة من الزوال. الملازم أول وليد واحدٌ من الضباط الخمسة عشر الأوائل في سوريا الذين انشقوا عن جيش بشار، وهو أول ضابطٍ من دير الزور ينشقّ عن هذا الجيش.. "عين المدينة" تذكرت البطل الذي لم يتماثل للشفاء بعد، فكان هذا اللقاء.

يقول العبد الله: قبل الثورة، كنت أعاني مع غيري من الضباط السنة في ذلك الجيش من التمييز على أساس الطائفة، وهذا شيءٌ معروفٌ للجميع. وبعد اندلاع الثورة وانكشاف الطبيعة الإجرامية لهذه الجيش وارتكابه لأعمال القتل والقمع للمتظاهرين السلميين، بدأت أشــــــعر بالذنب وتأنيب الضمير لانتمائي إليه، رغم أنني كنت أخدم في محافظة الســـــــويداء الهادئـــــة. في مرّاتٍ كثـــــــيرةٍ لم أتمكن من النوم. ولم تخفّف بعض التظاهرات التي شاركت بها متخفياً، خلال إجازاتي القصيرة إلى دير الزور، من هذه المشاعر. وكنت أخطّط وأحلم بعملية انشقاقٍ كبيرةٍ لكنني لم أوفق إلى ذلك. وفي يوم 1-8-2011، وبعد أن أخذت بندقيةً ومسدسـين حربيين و(500) طلقةٍ وزعتها على حقيبتين، خرجت من الفوج حيث كنت أخدم وتوجهت من السويداء إلى حمـــــص بالباص. وخلال الطريق كلـــــه كان مسدسي على وضع التلقيم، إذ كنت أتوقع كلّ شيء، وأتوقع أنني لن أعيش أكثر من خمسة أيام،

لكنــــــني كنت مطمئــــن الضمير وكأن جبلاً انــــزاح عن صـــــدري. وبعد حمص ذهبت إلى الرستن، وهناك أسّســـــنا كتيبـــــة خالد بن الوليد التابعة للواء الضباط الأحــــرار (قبل تشكيل الجيـــــش الحرّ). وبعد انتقالنا إلى بابا عمر أسّسنا أنا وعبد الرزاق طلاس والملازم أول مهند الخطيب (الذي استشهد بعـــــد ذلك)، إضافةً إلى مقاتلين مدنيين، كتيبة الفاروق.
ويروي العبد الله تفاصيل إصابته في المعارك مع قوات الأسد على أطراف حيّ بابا عمرو، عندما فشلت عملية تفجير العبوات التي جهّزت للدبابات التي بدأت بالاقتحام، في يوم (11-2-2012) مما اضطرّه إلى الاقتراب والظهور لجنود الأسد، فأصيب بطلقات رشاشٍ وقع على إثرها، وسحبه رفاقه إلى منزلٍ ثم إلى آخر صادف أن توقفت بجانبه دبابةٌ لم تلبث أن رحلت بعد أن شنّ الثوار هجوماً مضاداً. ومن ذلك البيت حمله محمد فلفل أبو أسعد (الذي استشهد في فترةٍ لاحقة) وركض به تحت نيران القناصة إلى المشفى الميداني ببابا عمرو، حيث أجريت له عمليةٌ سريعةٌ لتنظيف الجرح وتضميده، إذ لم تكن إمكانيات المشفى المتواضعة مناسبةً لعلاج إصابةٍ خطرةٍ مثل إصابته، فقد تعرّض لتفتتٍ وضياعٍ عظميٍّ في الساقين لمسافة 7 سم. وكما أخبره الدكتور محمد المحمد، طبيب مشفى بابا عمرو الميداني الشهير، كان لا بدّ من علاجه في لبنان. لتبدأ رحلةٌ جديدة، بحمله في نفقٍ ضيقٍ وموحلٍ وطويلٍ مسافة 3 كم خلال 5 ساعات تقريباً، ومن هناك إلى لبنان بهوية بسام، شقيق الدكتور محمد (والذي استشهد هو الآخر لاحقاً). وهناك ساعده شخصٌ من دير الزور وآخرون، ولم تتذكره خلال أكثر من عامٍ وثلاثة أشهرٍ أيّة جهةٍ أو هيئةٍ أو جماعة. ولكنه لا ينسى مجلس ثوّار دير الزور، الذي وقف معه بعد انتقاله إلى تركيا، حيث يقضي يومه جالساً أو مستلقياً عاجزاً عن المشي إلا بكرسيٍّ متحرك، رغم أكثر من عشر عمليات جراحية.
الملازم-وليد-العبد-الله_2

ويضيــــف العبد الله أن الائتلاف، وبعد وساطاتٍ كثيرة، تكفل بعلاجه في ألمانيا. ويتساءل: لو كنــــت مصـــــاباً لم يعرفه أحد... كيف ستكون حالتـــي؟! ويستــــــذكر حــــال مئات آلاف الجرحى الذين لا يهتمّ بهم أحد، ولم تتشكل للعناية بهم أية هيئةٍ أو مؤسسةٍ فعالةٍ وذات إمكانات. ويتمنى وليد، الشاب المولود في قرية البوعمر عام 1984، أن تتوحّد فصائل الثوّار، وأن يتنازل كلٌّ منهم للآخر، وأن يخلصوا النيات لله تعالى، وأن يصدقوا مع أنفسهم ومع الله ومع هذا الشعب المنكوب.