نظام الأسد يخلط الأوراق ويفتتح باباً جديداً لغنائمه في جنوب دمشق

بعد فشل نظام الأسد في فرض مشروع التهجير بمنطقة جنوب دمشق المحاصرة، على غرار ما حققه في مناطق قدسيا والهامة والمعضمية والقابون وداريا، توجه إلى إخلاء الشباب منها مُقابل مبالغ مادّية كبيرة، فاتحاً ممراً آمناً عبر أجهزة مُخابراته، خرج من خلاله أكثر من مائتين وخمسين شاباً، حتى الآن، من عناصر تنظيم داعش، ومقاتلين في الجيش الحر، ومدنيين.

يتقاسم السيطرة على منطقة جنوب دمشق فصيل أجناد الشام في حي المادنية بمنطقة القدم، وتنظيم داعش في أحياء الحجر الأسود والتضامن والعسالي ومخيم اليرموك، وفصائل الجيش الحر في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، التي يعيش فيها مُهجّرون من المناطق المُحيطة، لا سيما اللاجئون الفلسطينيون أبناء مخيم اليرموك، في حين يُسيطر مُقاتلو هيئة تحرير الشام على مساحة صغيرة جداً غربي مُخيم اليرموك.

وبدأت أول عملية خروج من المنطقة الواقعة تحت سيطرة التنظيم منذ شهرين إلى مُحافظة درعا، وقع الخارجون في قبضة الجيش الحر بمدينة إنخل، وعلى رأسهم «صلاح قطيش» المعروف بسياف التنظيم. وبعد قتله هناك بناءً على مُحاكمة خضع لها، تغيرت وجهة عناصر التنظيم إلى الشمال، وكان أول المُغامرين المدعو «مسعود الخابوري»- قريب «أبو هشام الخابوري» أمير التنظيم السابق- برفقة أخيه وثمانية شبان. وبدأت رحلة الخروج بالانطلاق من بساتين مدينة الحجر الأسود، وصولاً إلى منطقة معمل بردى التي تسيطر عليها قوات النظام. صادر التنظيم مُمتلكات العديد من عناصره الخارجين، ووزعها على بعض العناصر، لمحاصرة الحالة على ما يبدو، وبث الرعب بين الراغبين بالخروج. لكن بالرغم من ذلك استمر الأمر بشكل مُكثف، وشمل أمراء من الصف الثاني.

وعلى غرار الطريق المفتوح لخروج عناصر داعش، فتح النظام طريقاً للفصائل الثورية المقاتلة في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، بعد عدّة مفاوضات محلية فاشلة مع فروع أمن النظام في العاصمة دمشق، كان آخرها مطلع العام الماضي. ورغم أن الفصائل كانت قد قررت ضمنياً عدم السماح بالخروج إلّا لمن هو فوق سن الأربعين، وبحاجة للعلاج، لكنّها لم تستطيع إصدار موقف حقيقي للسماح بالخروج أو المنع.

أحد الشبان الواصلين إلى الأراضي التركية كشف لـ عين المدينة تفاصيل عملية الخروج، التي بدأت منذ انطلاقه مع المجموعة من بلدة ببيلا، مُتجاوزاً الحاجز المُشترك فيها، وصولاً إلى صالة الرهونجي في بلدة سيدي مقداد، حيث ينتظرهم عناصر أمن النظام، من ثُمّ انطلقت قافلة مؤلفة من أربع سيارات أمنيّة، و«فان» يتسع لخمسة عشر شخصاً، اتجهت مباشرة إلى ناحية «قلعة المضيق» الفاصلة بين قوات النظام والجيش الحر في ريف حماه الغربي، حيث نقطة الوصول الأولى. وهناك تسلمهم مُهرّب آخر أمّن لهم مكان الإقامة لمدة أيام في قرية «دركوش» الحدودية، بانتظار طريق التهريب إلى تركيا، ومن هناك عبروا الحدود سيراً على الأقدام، لتنتهي رحلتهم في أنطاكيا.

  وبحسب الشاب فالقافلة لم يعترضها أحد في مشوارها، وكانت مهمة أول السيارات الأمنيّة تسهيل مرورها عبر الحواجز. وبموجب الاتفاق يتم وضع المبلغ -4000 دولار- لدى أحد الأقارب في تركيا، وعند نقطة الانطلاق الأولى يتم تحويل نِصف المبلغ لمافيا تحويل الأموال في السوق السوداء، ويصل إشعار التحويل لمترئس القافلة (المقدم ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪﺍﺕ) -ﻘﻴﺎﺩي ﺴﺎﺑﻖ ﻓﻲ الجيش الحر ﻗﺒﻞ عودته ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﻲ عام 2013-،  وعند الوصول إلى ناحية قلعة المضيق يتم دفع باقي المبلغ بالطريقة ذاتها.

يعدّ النظام صفقات الخروج عملية رابحة، وبضريبة أقل من عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي التي مارسها في العامين المنصرمين، بحسب الباحث في مركز آذار للدراسات أنور القاسمي، ويرى القاسمي أنّ لخروج الشباب آثار خطيرة ستنعكس على المنطقة من حيث تغييب كوادر ثورية هامّة، كالعاملين في الحقل المدني وأطباء وإغاثيين وإداريين، أو حتى الحقل العسكري. ويتابع «وكون المنطقة مُحاصرة منذ سنوات، فإن ماتفقده لا يمكن تعويضه، كما أن التغيرات الجزئية إن حدثت بشكل متكرر فإنها ستؤدي إلى تغيرات في الأوضاع الكُلّية لارتباط الكل بالجزء».

 الناشط عمار القدسي لخص  لـ عين المدينة الأسباب الرئيسية لرغبة الكثير من الشبان في بلدات يلدا وبيت سحم وببيلا بالخروج، والتي تبدأ في تنوع القوى العسكرية الموجودة، والانعدام التام للعمل، ويأس الشباب من أيّ تغيير قد يحدث في المنظور القريب، بالإضافة إلى ابتعاد الكثير من الشبان عن عائلاتهم النازحة منذ مدّة طويلة، الأمر الذي يفرض عليهم التمسك بالخروج كفرصة كبيرة ستغير مسار حياتهم. أمّا عن خروج عناصر تنظيم داعش فعزاها المقدسي إلى الخلافات والتخبّط والانقسامات في صفوف التنظيم، والتي جعلت من بعض العناصر يُفكرون بالنجاة بأنفسهم، بينما قد يخرج البعض بإيعاز من النظام لتكليفهم بمهام خاصة في مناطق أخرى!