نساء في دمشق: بين تعاطي الحشيش واعتياد المسكنات

تعبيرية من الإنترنت

في مجتمع يغرق في الحرب، ينتشر الحشيش كالنار في الهشيم، بين الفئات العمرية الشابة التي لا ترى غضاضة في تعاطيه، وتستسهل النساء والفتيات تدخينه، خصوصاً أن لا سمعة سيئة له في ما يخص الإدمان والتعود، إلا ما يبدو تزمتاً اجتماعياً.

لمى طبيبة أسنان في الثامنة والعشرين من العمر تقول: «كل فترة بجيب شقفة وبدخنا، بتساعدني إني استرخي وكمل حياتي». لا تشعر لمى بالحرج من الاعتراف بتدخينها الحشيش أمام المقربين منها، وترى أن هناك تهويلاً اجتماعياً بخصوص مضارّه والاعتياد عليه، خاصة وأنه مادة يتم تداولها في بعض دول العالم بشكل قانوني. وعن توفره قالت لمى: «لم أكن أعاني بتأمين حاجتي منه إلى وقت قريب»، فلسبب ما ظهرت حالة من التشديد الأمني تجاه مادة الحشيش، رغم انتشار شائعة خلال السنوات السابقة عن تسهيل الدولة انتشاره في السوق، من وجهة نظر لمى الأمر على الأغلب مرتبط بسيطرة بعض التجار على السوق، خاصة أن سوق الحشيش في البلد يسيطر عليه بعض المتنفذين في الدولة، يتنافسون فيما بينهم فيظهر هذا التناقض من فلتان وتسيب من جهة، وتشديد من جهة أخرى.

رندة خريجة اقتصاد تعمل في أحد البنوك الخاصة، في الثانية والثلاثين من عمرها. قبل سنوات همت بالجلوس على كرسي أزاحه شقيقها من تحتها بمزحة ثقيلة، فوقعت وأصيبت إصابة بالغة في الظهر، أقعدتها طريحة الفراش عاماً كاملاً. وبعد انتهاء العلاج بوسائله المختلفة، لم تتخلص من الألم «ما بقدر نام بالليل، جربت كل شي، الوجع بيحرك لأتفه سبب برد، تعب، خوف، ومع الحرب ما في مجال إني استرخي أو ارتاح، القلق مزمن، والوجع ما بروح». صار الألم مزمناً واعتادت رندة على المسكنات. «كانت حبة الترامادول بتكفي لتسكين الألم، مع الوقت صارت الحبة حبتين وتلاتة وتعودت عليه».

تحولت معاناة رندة اعتياداً على أكثر المسكنات المركزية شيوعاً «ما بعرف كيف صار هيك، يمكن إحباط، يمكن يأس، يمكن الوضع». حاولت مراراً التخلص من معاناتها، إذ خضعت للعلاج في المنزل بإشرافٍ طبي لأكثر من مرة. فشلت جميع محاولاتها «وكأني عم دور بحلقة مفرغة، كل ما وقفت المسكنات بيرجع الألم من أول وجديد».

بات تعاطي الحشيش والإقبال على المسكنات أمراً شائعاً في ظل الحرب، فظهر لدى الشبان أو الفتية الأصغر سناً ميل لتناول المسكنات، فيما تتجه الفئات العمرية الأكبر لتعاطي الحشيش المخدر، على اعتبار شائع بأنه ضرره أقل.

توفيت والدة رانيا وهي بعمر الثلاث سنوات، وتزوج والدها امرأةً حولت حياة الطفلة إلى جحيم. «مات أبي قبل ما كمل الـ 15 وصار مستحيل إني ضل عايشة مع مرته، انتقلت من بيت لبيت عند قرايبين ومعارف». تقاذفتها الحياة هنا وهناك، بعض الأقرباء ساعدوا أحياناً والبعض الآخر تخلى عنها. في التاسعة عشرة من عمرها تزوجت للمرة الأولى من أحد أقربائها على مبدأ الزواج سترة. «لما ضربني أول مرة، رحت عالصيدلي عطاني مسكن قوي بروكسيمول». لم ينته زواج رانيا إلا بعد أن اعتادت على البروكسيمول «كنت آخد ظرف كل يوم لإقدر نام، لإقدر آكل، لإقدر أتحمل الحياة». باءت كل محاولاتها للإقلاع عنه بالفشل، تزوجت بعدها للمرة الثانية، وحين عجزت عن الإنجاب اصطحبها زوجها إلى لبنان للعلاج، دخلت المصح مرتين: «الله عوضني بزوجي التاني، طيب ومحترم تفهم حالتي». صارعت رانيا اعتيادها على المسكنات حتى تخلصت منه، لكنها في ظل الحرب وتوفر الحشيش انتقلت لتدخينه قبل خمس سنوات، وترى أن أذاه أخف وطأة من المسكنات. لكنها تعاني من اكتئاب واضطراب في مزاجها حين تنقطع عنه.

المسكنات نوعان محيطية ومركزية، المحيطية مثل السيتامول والبروفين ولا تسبب الاعتياد، أما المركزية ويطلق عليها الأفيونية كالبروكسيمول والترامادول فهي من تسبب الاعتياد، وهو ما يعني أن المريض لا تكفيه الجرعة الموصوفة ويحتاج إلى زيادتها بعد فترة. يرى طبيب نفسي (طلب إغفال اسمه) أن الاعتياد على المسكنات شائع عند المصابين بأمراض نفسية معينة، كاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، واضطراب الشخصية الحدية، إضافة إلى الاكتئاب والقلق، وأن نسبة الرجال المعتادين عليها أكبر بكثير من النساء بشكل عام، ولا مجال لأرقام دقيقة في ظل ظروف الحرب الحالية.

وعند التدقيق في الحالات، يرى المراقب أن اللجوء إلى هذه الحلول يأخذ مكانه على حساب العلاج النفسي في حالات القلق والاكتئاب، في مجتمع يرى في الطب النفسي مذمة أكثر من الحشيش وتعاطي المسكنات.