نازحو أراضي داعش
بين مطرقة التنظيم وسندان وحدات الحماية

تعدّدت الشهادات في الآونة الأخيرة حول ممارسات قوات الحماية الكردية في المخيمات وعلى الحواجز، بما في ذلك معاناة النازحين القادمين من مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وخصوصاً بعد اشتداد المعارك فيها، وتدمير الجسور الحيوية لمحافظة دير الزور من قبل طيران التحالف، وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي دفعت بجزءٍ كبيرٍ من سكان هذه المناطق إلى النزوح إلى مدينتي الحسكة والقامشلي، إما للإقامة فيهما، أو للسفر إلى العاصمة دمشق عن طريق مطار القامشلي، برغبة البقاء فيها أو العبور إلى لبنان أو السفر إلى الخليج بالنسبة إلى من يحملون الإقامات القانونية في أحد بلدانه.

الطريق وسماسرته

يسلك النازحون طرقاً صعبة، وتترتب عليهم مبالغ مرتفعة كي يهربوا من مناطق سيطرة التنظيم. يقول أبو محمد، وهو من أبناء دير الزور الواصلين إلى مطار القامشلي: «اتفقت مع أحد المهرّبين لإخراجنا من مناطق سيطرة التنظيم نحو محافظة الحسكة مقابل /125/ ألف ليرةٍ سوريةٍ على كلّ شخصٍ من أفراد عائلتي الخمسة. وبعد أن تجاوزنا آخر معاقل التنظيم أخبرنا المهرّب أن علينا المتابعة سيراً على الأقدام لمسافة /10/ كم للوصول إلى أول حواجز قوات الحماية».

تمنع هذه الحواجز النازحين من الدخول إلى محافظة الحسكة، وتنقلهم إلى مخيماتٍ تابعةٍ لها، تحتجزهم فيها بعد أخذ ثبوتياتهم الشخصية من هوياتٍ ودفاتر عائلة، مشترطةً عليهم البحث عن كفيلٍ من أبناء الحسكة للسماح لهم بالخروج. وحسب شهادات ناشطين من المحافظة: «لم يلاحظ إلى الآن السماح لمواطنين من غير المكوّن الكرديّ بتقديم الكفالة لأيّ نازح». وصار هناك سماسرةٌ لتأمين كفيلٍ بمبالغ تتراوح بين الخمسين والمئة ألف ليرة.

المخيّمات

يعدّ مخيم المبروكة من أولى المخيمات التي أنشأتها قوات الحماية الكردية. ويقع في ريف رأس العين على طريق مدينة الحسكة، ويبعد 3 ساعاتٍ بالسيارة عن مدينة القامشلي. وهو مدرسةٌ في الأصل، أغلب قاطنيها من نازحي محافظة دير الزور، ويسكن في كلّ غرفةٍ (شعبة) أكثر من عائلتين في بعض الأحيان. ويوجد فيها كشكٌ صغيرٌ يبيع بعض المستلزمات للنازحين. ولا تشرف على هذا المخيم أيّ منظمةٍ إنسانية، سواءً أكانت دوليةً أم محلية. يتلقى النازحون وجبةً أو وجبتين يومياً من قبل قوات الحماية، غالباً ما تكون بطاطا مسلوقة أو برغل. ولم يشهد المخيم مؤخراً أيّ عمليات نزوحٍ جديدة، وذلك بسبب انقطاع طريق الريف الغربيّ.

ويضمّ مخيم الهول، الواقع في بلدة الهول التي تبعد /40/ كيلومتراً شرق مدينة الحسكة، عدداً كبيراً من النازحين من محافظتي دير الزور والرقة، ولاجئين من العراق إثر معارك الموصل. توجد فيه خيامٌ مجهزة، وتشرف عليه مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR التي تقوم بتقديم المساعدات للاجئي العراق فقط، كما ذكر الناشط الإعلامي نصر القاسم المقيم في محافظة الحسكة، الذي أكد رفض النازحين السوريين الذين يقيمون في العراء تلقي أيّ مساعداتٍ إغاثية، طالبين من ممثلي الأمم المتحدة الضغط على قوات الشرطة الكردية (الآساييش) للسماح لهم بالعبور، خاصة أن معظمهم لا يود البقاء في الحسكة، بل السفر إلى دمشق عبر مطار القامشلي. ليتمّ مؤخراً سفر ما يقارب /200/ شخصٍ عبر طيران إليوشن إلى دمشق، بعد وساطةٍ مع محافظ الحسكة نجحت بعد محاولاتٍ عدة، ولم تخلُ العملية من الرشاوى لتأمين حجوزات الطيران.

معاناة اللاجئين العراقيين

رغم ذلك تعدّ هذه الصور هي الأقل سوءاً، بعد قيام حاجز «رجم صليبي» القريب من مدينة الشدادي بإيقاف تدفق اللاجئين العراقيين -فضلاً عن النازحين السوريين- إلى مدن ونواحي محافظة الحسكة، ومصادرة جميع أوراقهم الثبوتية، وعدم السماح لهم بالعبور حتى في حالة وجود من يكفلهم.

فقد وثق «مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور»، في الرابع من الشهر الجاري، وجود /5600/ شخصٍ يفترشون الأرض قرب حاجز رجم صليبي، معظمهم من العراقيين، لا يوجد لهم مأوى أو أيّ نوعٍ من الرعاية الصحية، ما دفعهم إلى حفر الأرض وفرشها بالبطانيات ليقيموا فيها اتقاءً للبرد وخوفاً على أطفالهم، ولا سيما بعد وقوع عدّة وفيات بين المدنيين الموجودين قرب الحاجز. ويقوم عناصر من وحدات الحماية ببيعهم بعض المواد الضرورية بأسعارٍ خيالية، فبلغ سعر ليتر الماء /600/ ليرة، وربطة الخبز /1500/ ليرة، ووصلت دقيقة الاتصال الواحدة إلى /10/ آلاف ليرة. وأكد مدير المرصد، المحامي جلال الحمد، قيام منظمات المجتمع المدنيّ في محافظة الحسكة بالضغط على الجهات المعنية للسماح بنقل النازحين السوريين واللاجئين العراقيين إلى داخل المحافظة أو إلى مخيّمي المبروكة والهول، خاصة أن معظم النازحين يرغبون في التوجه إلى دمشق.