مونديال روسيا السوري بين رصاص الشبيحة والوطنيات المزورة

يقال إنّ كرة القدم هي البديل الأحدث الذي أنتجته البشرية لحروبها المدمرة بين الدول، ومع أنّ الحروب لم تتوقف يوماً، فإن كرة القدم تحوّلت إلى أحد أبرز أدوات التعبير المُتكرر، موسمياً وبانتظام، عن الوطنية في صورتها المُسالمة، والمُتعصبة التي تنتهي غالباً بتقبل الهزائم، بالرغم من أنهّا في مرة أو اثنتين، أشعلت أو كادت تُشعل حرباً حقيقية.

ينخرط العالم كله هذه الأيّام في هيستيريا عابرة للقارات اسمها "كأس العالم"، والسوريون ليسوا بعيدين بالطبع عن هذا الهوس، الذي يتمركز جغرافياً في روسيا. والواقع أنّ الصورة لها ليست كذلك، فهي في عنفها المُدويّ تجد انعكاسها الفجّ في سوريا نفسها، مُحدثة شرخاً إضافياً في انقسام المجتمع حول روسيا ذاتها؛ إذ بينما يتابع السوريون المؤيدون للثورة المباريات أملاً في هزيمة روسية وإيرانية، ينخرط الشبيحة في دور المشجع المُتعصب، الذي ينقل تكثيف صورة القصف الروسي إلى احتفالات بالقوة وإطلاق الرصاص في شوارع اللاذقية وطرطوس، كما يُورد مراد الحجي في مادته بهذا العدد من "عين المدينة"، وهو مشهد يبدو تتمة لتفسير غاليانو الشهير لاستبدال الحرب بكرة القدم، إلا أنّه يعاود تقديم نفسه باستعراض القوة القاتلة، في توكيد إضافي لتنافي التشبيح مع كل منظومة إنسانية وأخلاقية تحاول كرة القدم تقديمها.

ثمة مفارقات أكثر توغّلاً في معاني المُنتجات القومية، وفي الاستثمارات العاطفية الموجهة لوطنية كرة القدم التي تطرأ مع كل حدث، وهي تظهر عموماً في حال المنتخبات التي تُمثل بلاداً تُقاد بمشاريع سلطوية، تسعى إلى إعادة توجيه الحاصل الاجتماعي، وفق نظرية لويس ممفورد عن تحوّل المنشآت الرياضية إلى "أوعية الجماهير"، لكنها معارك فاشلة غالباً، لأنّ التطور الكروي مرتبط أساساً باستقلاله عن الدولة والسلطة، والأهم بتطور موازٍ في حال الحريات والرخاء المنتج، وهذا ما يجعل أوروبا في الصدارة دائماً.

في المقابل، فإن لصورة كأس العالم تمثّلات في الخيبة والحسرة، ستجدون أحد تفسيراتها في ما كتبه مصطفى أبو شمس عن غياب إيطاليا المتزامن مع استشهاد (أحمد)، أحد أشهر مشجعيها في صفوف الثورة، والذي لا يُشجع منتخباً عربياً لأنه لم يقع في فخّ الوطنيات المزورة.