مرثية لسيدة الشرق.. دير الزور

المشتل بعدسة تنسيقية دير الزور

بينما أحاول كتابة مادة لمجلة عين المدينة، تتساقط مدن وقرى دير الزور كأحجار الدومينو بيد قوات النظام، وتتساقط أحياء المدينة تباعاً ودون مقاومة، كما لو أن التنظيم قد أكمل مهمته بالقضاء على الثورة وآن أوان الانسحاب.

تتكاثر الأسئلة في رأسي عن موضوع الكتابة، ويرافق بعضها اختناق في عنقي يدعوني للبكاء، فهل نكتب عن الأسباب التي أوصلتنا لهذا النهاية، أم نكتفي بوضع اللوم على الإسلاميين الذين مكنوا جبهة النصرة وأحرار الشام، والذين مكنوا بدورهم تنظيم داعش منا؟.

هل ندخل في عراك إيديولوجي مع الثوار الإسلاميين عن «تحكيم شرع الله»، وعن ماهية الدولة التي نرغب بها؟، ذات العراك الذي شغلنا عن جوهر الثورة ومكن التيارات السلفية منها ومنا.

هل نكتب عن العشائر التي استحوذت على النفط وأغمضت عينها عن القتال الدائر في المدينة؟ أم نسمي العشائر التي تنمرت على الجميع باسم النفط والتنظيمات الجهادية التي تمثلها؟.

هل نكتب عن القصف الهمجي الذي يدفن المدنيين تحت ركام بيوتهم، ويلاحق الهاربين منهم إلى المعابر المائية حتى اختلط الدم بنهر الفرات؟ أم نكتب عن طريق جهنم المعبد بالألغام والقناصين، الواصل بين دير الزور ومخيمات الموت في مناطق سيطرة قسد؟

هل نكتب عن أهلنا التائهين في البوادي، ولا نعرف إن كانوا أحياءً أم أموات؟

هل نستدعي التاريخ لنثبت لإخوتنا الكُرد بأننا تعايشنا بسلام في المنطقة منذ زمنٍ بعيد,، وأننا تقاسمنا حتى الظلم على يد الأنظمة المستبدة، لكنهم يصمتون الآن عن ظلم الإدارة الذاتية لأهلنا في المخيمات؟.

هل نكتب عن حلب التي تأخرت عن الثورة، لكنها أصبحت مركز ثقلها، فأسقطتنا مرتين؟ الأولى بصمتها عن تمدد تنظيم الدولة في مناطقنا، والثانية بسقوطها وانكفاء جلُّ أبنائها عن الثورة؟.

هل نكتب عن الفصائل «الديرية» في الشمال السوري، التي تتوجه إلى إدلب بينما تسقط دير الزور؟ أم نكتب عن فصائل الجنوب التي عطلت كل المشاريع الممكنة للوصول إلى دير الزور، بخطاب ثوري تعبوي، ثم سلمت سلاحها؟.

هل نقنع تركيا بأن تواجد قوى ثورية في مناطق سيطرة قسد، لخدمة المهجرين في المخيمات، يتسق مع أهم محددات أمنها القومي، الذي يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي تنظيماً إرهابياً؟

هل نستنهض الشعوب العربية التي لا تملك من أمرها شيئاً، وصمتت عن فلسطين لسبعين عاما؟ أم نكتفي بشتم دول الخليج (الصديقة)، والتي أوصدت الأبواب بوجه السوريين، بعد أن دفعت الأموال لتأجيج الحرب في بلادنا؟.

هل نعيد تفكيك العلاقة مع الولايات المتحدة؟ ونكتب كيف استدرجت الجميع إلى فخ الانتظار الأجوف، عبر وعود زائفة بقاعدة «الشدادي»، وإدارة مدنية مستقلة من أبناء دير الزور؟، هل نعيد تصنيفها كدولة احتلال، أم نصمت كُرمى لمن استدعاها واعتبرها صديقة، وكُرمى للعاملين معها في الخارجية والدفاع والاستخبارات؟.

هل نكتب عن إجرام النظام وحجم الجيوش والمليشيات التي أدخلها إلى بلادنا؟، هل كانت توقعاتنا بأنه سيسلم الحكم في الأشهر الأولى كما فعل بن علي وحسني مبارك؟، ألم نخرج عليه لأنه نظام مستبد مجرم على امتداد أربعين عام؟.

ربما يصلح كل محور من المحاور السابقة. لأن يكون مبحثاً منفرداً، لكن الأقلام تقف عاجزة في ساعات سقوط دير الزور؛ سيدة الشرق، التي تنغط كالجّدات المتروكات على نواصي التهجير: «راحوا وخلوني كبوبا... ع الدار ما دزوا ركوبا».

وعلى إيقاع بكائية درويش في حب تونس حيث دُفن أبو جهاد الوزير، أحاول هدهدة الحزن المتلاطم في داخلي، وأبكي شهداءنا الذين تركناهم في حدائق استحالت مقابر: 

«هل نسينا شيئاً وراءنا؟

نعم.. نسينا تلفّت القلب

وتركنا فيكِ خير ما فينا

تركنا فيكِ شهداءنا الذين

نوصيكِ بهم خيراً»