مخيّمات الجنوب:
معاناةٌ أكبر مع قدوم الشتاء

القنيطرة - مخيم بريقة - خاص

تزداد معاناة أهالي الجنوب السوريّ مع كلّ شتاء، يعيشها الناس هنا وكلهم أملٌ بانتهاء الحرب والعودة إلى دفء الحياة من جديد. وتتضاعف مشقة هذا الفصل البارد على نازحي المخيمات المنتشرة على بقاع محافظتي درعا والقنيطرة.

محمد هزاع (أبو حسين) مسؤول مخيم بريقة وأحد الفارّين من بطش قوات النظام وقصف طيرانه الذي دمّر البشر والحجر في بلدته ممتنة، يصف لـ«عين المدينة» المعاناة التي يعيشونها في المخيم، والتي تزداد صعوبةً يوماً بعد يوم: «الوضع مأساوي جداً...»، بهذه الكلمات يبدأ أبو حسين كلامه واصفاً مرارة العيش التي حلت بهم في مسكنهم الجديد. ويبيّن: «يحوي مخيم بريقة أكثر من 256 عائلة، معظمهم من سكان قرى مثلث الموت (سلطانة؛ دير ماكر؛ الهبارية؛ ممتنة)، بالإضافة إلى ما يقارب الثلاثين عائلةً من أبناء الغوطة الشرقية. مضى على تأسيس المخيم ما يقارب السنتين وأحد عشر شهراً، تخللها الجوع والمرض والبرد. يأتي هذا الشتاء الثالث على أهالي مخيم بريقة والوضع فيه يزداد سوءاً يوماً بعد يوم في ظل غياب المنظمات والجمعيات الخيرية إلا القليل منها، وفي ظل قطع الأشجار التي كانت تحيط بالخيام والتي استهلكت للتدفئة خلال السنوات الماضية. كما لا توجد عند عوائل هذا المخيم الإمكانية لشراء المازوت أو أيّ مادةٍ للتدفئة، لأن أغلب القاطنين هنا لا يملكون حتى ثمن رغيف الخبز».

يكمل أبو حسين: «نحن، كرجال، نقوى على تحمل برودة هذا الطقس. ولكن المخيم يضم أكثر من 2000 طفلٍ وطفلةٍ والعديد من الكهول الذين لا يقوون على تحمل قسوة الشتاء في ظلّ قطع القماش التي يحتمون تحتها. نناشد جميع المنظمات والجمعيات الخيرية العاملة في الجنوب السوريّ النظر في حال سكان المخيم وتأمين أيّ شيءٍ يخفف عنهم برودة هذا الفصل».

الحال نفسه في مخيم الأمل الذي يقع في محافظة القنيطرة أيضاً. خيامٌ تواجه وحدها تلك الرياح العاصفة، تؤوي أناساً شرّدتهم الحرب ليعيشوا على أمل العودة. أم خالد مهجّرةٌ من بيتها في قرية حمرية، تسكن وأولادها إحدى هذه الخيم التي تشققت من تقلبات مناخ القنيطرة، تصف حالتها لـ«عين المدينة»: «أشعر بالحزن الشديد عندما أرى أطفالي يتألمون من شدة البرد، ولكن ليست لدي القدرة لأفعل لهم أيّ شيء. عند شروق الشمس نذهب، أنا وأبنائي، إلى مكبات الزبالة ونبحث عن قطع البلاستيك لنوقدها ليلاً ونحتمي بحرارتها من هذا البرد القارس. ننتظر الفرج القريب والعودة السريعة إلى بلدتنا وبيتنا».

وفي مخيم تل السمن، الذي يقع إلى الشمال الغربيّ من محافظة درعا، يسكن ما يقارب 300 عائلةٍ (حوالي 1800 نسمة) ضمن منطقةٍ زراعيةٍ قاحلة. وبالإضافة إلى ما يعانونه من نقصٍ حادٍّ في المستلزمات الطبية، وبقاء معظم أبنائهم دون دراسة، يأتي عليهم فصل الشتاء هذا بقسوةٍ أكبر من أيّ وقتٍ مضى. «أصبحت هذه الخيم قديمةً ومهترئة، لا تمنع البرد والمطر، ما تسبّب بالعديد من الأمراض، وخاصّةً للأطفال ولكبار السنّ. وبالإضافة إلى ذلك أصبحت جميع الطرق والممرّات موحلةً جداً، ومن الصعب المشي فيها. قدمت بعض الجمعيات كميةً من مادة التفل (مخلفات الزيتون) للتدفئة، بلغت ثلاثة أكياسٍ لكل خيمة، ولكنها غير كافية»؛ هذا ما أكده لنا أحمد الفضلي، أحد سكان مخيم تل السمن.

وفي ظل هذه المعاناة يبرز دور المنظمات والجمعيات الخيرية لمساعدة قاطني تلك المخيمات. وقد بادرت جمعية إيلاف الخيرية إلى توزيع عددٍ من أكياس التفل، ويقول أبو أحمد المصري، مدير الجمعية، لـ«عين المدينة»: «تتضافر الجهود مع قدوم فصل الشتاء من أجل التخفيف من معاناة النازحين والمهجرين من هذا البرد القارس. وقد قمنا بتوزيع مادة التفل على العديد من القرى والمخيمات، بالإضافة إلى توزيع ملابس شتويةٍ للأطفال على أكثر من 200 عائلةٍ فقيرة، انطلاقاً من سعي الجمعية الحثيث ودعمها الإنسانيّ المستمرّ».

تضم محافظتا درعا والقنيطرة عدّة مخيماتٍ ينتشر أغلبها على الساتر الحدوديّ مع الجولان المحتل ومع المملكة الأردنية. يعاني معظم سكانها من فقرٍ شديد، وتمرّ أيام الشتاء باردةً وقاسيةً على قلوبهم وأجسادهم الضعيفة التي أنهكتها الحرب.

أبو حسين هزاع

أبو حسين هزاع