مخابرات النظام في حلب تقتل موظفاً في الأوقاف التابعة له
ومحمود عكام يحيل الجريمة للقدر

ناصر الحلو

منتصف ليل الثالث عشر من كانون الأول 2017 تعرض (أبو بدر) وابنه الشابّ لإطلاق نار كثيف، من عناصر مخابرات النظام في حاجز دوار الحلوانية في طريق الباب، ما أدى إلى دخوله في غيبوبة ووفاته في العناية المشدّدة بعد ستة أيام، فيما تعرض ابنه للإصابة، وحسب ما نشرته صفحة أخبار عندان نقلاً عن مصدر من مناطق النظام، أن الأمن منع نقل جثمانه إلى حي طريق الباب، ولم يسمح بإقامة تعزية له هناك، لتتم الصلاة عليه وتشييعه من جامع التوحيد في حي العزيزيّة، وتطوى سيرته سريعاً دون معرفة أسباب قتله.

و(أبو بدر)، هو ناصر خراط الحلو من مواليد عام 1960، يعمل منذ أكثر من 15 عاماً كمراسل لمديرية الأوقاف في محافظة حلب، مهمته إيصال قرارات الأوقاف إلى المساجد والأئمة. عُرف بتواضعه الشديد وحب الناس له. يشهد له الكثيرون بتفانيه في عمله، وغيرته على جوامع حلب وأوقافها، إذ لم يكن ليتردد في أداء أي مهمة تتعلق بخدمة بيوت الله، وإن كانت خارج اختصاصه الوظيفي. تراه أحياناً يغسلُ هذا الجامع أو ذاك من شدة حرصه. يصفه البعض بأرشيف أوقاف حلب وبيت سرّها، فهو يحفظ أسماء جوامع ومساجد مدينة حلب وبعض جوامع الريف أيضاً، يعرف أماكنها بدقة، وقد تسمع منه أسماء مساجد قديمة ربما تسمع اسمها للمرة الأولى. يعرف مشايخ حلب كبيرهم وصغيرهم، النزيه منهم والمنتفع، الشريف الصادق أيضاً ورجل المخابرات المنافق. يروي لنا أحد المقربين منه، بأن محمود قول آغاسي (أبو القعقاع) لدى استلامه منصب مدير الثانوية الشرعية في حلب، حاول استمالته دون جدوى. عمل الحلو أيضاً في الخسروية الشرعية في حلب، كما شغل منصب الإمامة في جامع "أصلان دادا" أحد أبرز المعالم الأثرية والدينية في مدينة حلب.

كان من المتوقع أن تضجّ أروقة المساجد بمن فيها من أئمة وموظفين وغيرهم بنبأ مقتله، فضلاً عن المواقع والصفحات، فمن لا يعرف الشيخ ناصر صاحب الدراجة النارية التي رافقته طيلة حياته، يطوف بها على بيوت الله، ومن لا يحبه ويشهد له بحسن السمعة، بل من ينسى ابتسامته التي لا تكاد تفارقه!.

بعد الحادثة في العناية المشددة

إلا أن الواقع كان مختلفاً، فقد مرّ نبأ وفاته مرور الكرام إلا قليلاً. لا شكّ بأنّ خوف الكثيرين من بطش النظام دفعهم للسكوت، في حين أنّ قسماً منهم اكتفى بالترحم عليه في مواقع التواصل، مع تجنب الإشارة إلى سبب الوفاة، وهذا قد يكون مفهوماً أيضاً، أما أن يرثيه مفتي حلب (د. محمود عكام) في موقعه على الإنترنت بقوله: "اختطفه القدر شهيداً، لتكون خاتمته الطيبة على نسق أعماله الخيِّرة)، فهذا يدفعنا للتساؤل لماذا تكلّم العكام اليوم عن شخص لا تربطه به معرفة قوية، فيما سكت قبل عام ونصف عن مقتل موجه التربية الإسلامية محمد قطان، وهو تلميذه المقرّب، حينما استدعته المخابرات الجوية وأعادته جثة هامدة لأهله؟. هل بدأ بالتعبير عن مواقفه الموالية بشكل أوضح بعد تهجير حلب، سيّما وأنّه اتّبع سياسة إمساك العصى من المنتصف مطلع الثورة، وهل بات القدر مصطلحاً يستخدم لإضفاء الشرعية على جرائم الأسد وزمرته؟.

ربما كذلك، ففي سورية الأسد أن تُقتل اعتداءً وبغياً واعتباطاً، وأن تفارق أحبتك وتفقد حياتك هدراً بلا أدنى قيمة أو محاسبة ولا إدانة أو إشارة إلى القاتل، فذلك من الخواتيم الطيبة، وإذا كانت (الخواتيم الطيبة على نسق الأعمال الخيّرة) بهذا الشكل فكيف تكون (الخواتيم الشنيعة المريعة على نَسَقِ الأعمال الشريرة يا ترى)!.

محمود عكام

وردّاً على هذا التوظيف الديني لمسألة القضاء والقدر يقول د.إبراهيم الديبو (دكتوراه في العقيدة الإسلامية) في اتصال أجرته معه عين المدينة: هذه العبارة، وإن قصد قائلها المعنى المجازيّ، إلا أنّ ظاهر كلامه يوحي بنسبة الشر لله عز وجل، فهو ينسب الجريمة والقبح لله، ويتناسى مرتكب هذا القُبح، ومع أن الخير والشر كله من الله خلقاً، فقد ثبت عن النبي ﷺ قوله: "والخير كله في يديك، والشر ليس إليك"، ففعل القتل وإرادة السوء التي توجّهت للقتيل هي التي ينسب الشر والسوء لها، أما القدر فهو ما يمنحه الله من إمكانيات للإنسان خيراً كانت أم شراً، واستعمال هذه الإمكانيات ينسب للإنسان وليس للقدر!.