عندما اتخذت الأطراف الدولية قرارها بإطلاق رصاصة الرحمة على دولة داعش، والأطراف الإقليمية والمحلية تحضيراتها لملء الفراغ الذي سيتركه انهيار كيان التنظيم؛ اختار الأخير استباق ذلك بالإطلاق على الاستقرار النسبي الذي يتمتع به الأهالي في بيئات معزولة تحت سيطرته، لم تختبر امتحان أن توضع على مرمى المفاوضات بالمجازر لاقتسام الأراضي.

حين فرض قادة داعش التجنيد الإجباري، منذ شهرين، هام الشبان على وجوههم؛ ولكن بعد وقت ليس طويلاً بدأت عائلاتهم تتبعهم باتجاه مخيمات الحسكة والرقة، وأحياناً إلى دمشق لمن يتاح له ذلك. أما البقية فلجأوا إلى البوادي والأراضي الزراعية المحيطة بمدنهم وبلداتهم وقراهم، ليتخذوا العراء مأوى، إثر تلويح النظام وميليشياته، ومن خلفهم الطيران الروسي والمستشارون، بالانتقام الأعمى، ثم الجنون الذي أصابهم لكبريائهم المجروح في معمل كونيكو للغاز، الذي استبقت السيطرة عليه «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركياً.

بدأ التلميح بإعدامات ميدانية طالت مكفوفين انتقاماً من منفذها للقرداحة، وتحول الجنون إلى طيران لا يترك سماء دير الزور، «فخمس طيارات تروح وخمس طيارات تجي، وتضرب بوقت واحد»، يراقبها الفارون بهلع وحسرة تشبه الاحتضار، ويعاينها من لم يترك بيته أحياء مهدمة، وجثثاً لا تجد من يدفنها، وأنات صغيرة تحت الركام، ورائحة لحم بشري يحترق، فيصرخ إلى العالم أن ما يجري الآن كأنه القيامة.

ومن هرب لم ينج حين تقاسمته المخيمات في الرقة والحسكة، ولن تتركه إلا بعد إخضاعه لرعونة حراسها في إطلاق النار عند كل ضجة في طابور، وابتزاز إدارييها أموال المحتجزين فيها لإخراجهم إلى عالم يجهلون كم تغير دونهم، ويقف فيه ممثلوهم في مؤسسات المعارضة والأجسام الثورية عاجزين عن التدخل حتى في تفاصيل ما يقرر لنا.

لن يسلّم قادة داعش بالهزيمة غالباً، وسيتابعون حربهم هجمات مرتدة وقهراً للإنسان. ولن يقتنع النظام وميليشياته والروس بالحرب وفي نيتهم تدمير الحياة. ولن تكتفي «قوات سوريا الديمقراطية» باستقبال الفارين في خضم بحثها عمن تجنده ويبتز عناصرها أمواله. كما لا تبدو في الأفق رياح يرفع فيها الثوار أشرعتهم للمتابعة في طريق العودة.