لم يعد وزيراً… علي حيدر، الرجل الذي باع قلبه وابنه للشيطان

من وزير ل"المصالحة الوطنية" في حكومة بشار الأسد، خُفّضتْ رتبة علي حيدر إلى رئيس هيئة ورثت الوزارة؛ خبر سار لمؤيدي النظام بعد أن ضاقوا ذرعاً ب"حيدر" منذ اليوم الأول لتعيينه في وزارة عديمة النفع، بل "متسامحة" مع من لا يستحقون سوى الموت أو النفي نازحين ولاجئين، وفق ما يرون بمعارضيه.

في حزيران من العام 2011 شكّل علي حيدر، طبيب العيون المتحدر من مدينة مصياف، شخصاً مناسباً ليرأس وزارة استحدثها النظام لأغراض دعائية، وتقويض حركة الاحتجاجات الشعبية المتنامية ضده. إذ كان يلزم شخص مثل حيدر، لم يتولَّ سابقاً اي منصب، ولا ينتمي لطائفة الأسد، وليس بعثياً؛ بل رئيساً لجناح يحسب نفسه "معارضة" من الحزب "السوري القومي الاجتماعي" لتلطيف صورة النظام آنذاك؛ وفوق "مزاياه" تلك، كان مضموناً في ولائه وأدائه المنضبط، وحرفياً بتأدية الدور المرسوم له.

سرعان ما تأكّد ذلك، في اختبار كبير كان محنة عصفت بحياة حيدر وغيرتْها إلى الأبد، حين اختطفت مجموعة من "شبيحة" قرية القبو الطائفيين نجله البكر إسماعيل، طالب كلية الطب، الناشط في صفوف المتظاهرين، في طريق عودته مع صديقه إلى مصياف. وقتلت الشابين، وألقت بجثة إسماعيل عارياً على قارعة الطريق، وتركت جثة صديقه تتدلى من صندوق سيارة في موقع الجريمة.

لم يبالِ حيدر بالأدلة القاطعة التي تشير إلى القتلة، بل آثر الصمت والتنعم بالامتيازات التي أتاحها منصبه، ليأخذ بالتدريج -وإن بدرجات حذر أعلى- الصورة التقليدية لوزير في دولة الأسد: شراكات مع رجال أعمال موالين للنظام، ومع أمراء حرب من قادة الميليشيات، والعائد أموال بملايين الدولارات أودع معظمها في الخارج، وظل الباقي بإدارة شقيقته، لأن زوجته مدرسة اللغة الفرنسية ربا الخش اعتكفت بعد مقتل إسماعيل في عالمها الخاص، ونأت بنفسها عنه، وحمّلتْه المسؤولية كاملة عن دم ابنهما، ولم يعد يعنيها منصبه وأمواله والشائعات عن زواجه بامرأة أخرى.

في المراحل المبكرة من سيرته الذاتية، مثّل علي بن إسماعيل حيدر نموذج شاب ناجح، طالباً مجدّاً وبراً، يبدي تعاطفاً مع كفاح أبيه المراقب في دائرة التبغ، وأمه الخياطة، في مواجهة فقر مدقع، عُرفت به الأسرة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وبتأثير من خاله تبنّى حيدر أفكار الحزب "السوري القومي الاجتماعي"، وانتسب إلى صفوفه مبكراً.

سيشكل الفقر، والتفوق الدراسي كطالب طب، واعتناق إيديولوجيا ضحلة ك"سوري قومي"، إضافة إلى الأنانية والتوهم والحذر، عوامل رئيسية صنعت شخصية حيدر، الذي سيُعرف بعد افتتاحه عيادة في مدينته مصياف بطبعه الهادئ، وتكتّمه وحرصه على إبقاء مسافة تفصله عن الناس، وحصر دوائر أصدقائه على زملاء المهنة و"رفقاء" الحزب.

لم يكن انحراف الرجل بعد الثورة دفع شيطان فحسب، إنما اختيار واعٍ أصرّ عليه، باع في سبيله دم ابنه، ولم يلبث أن خسر مقابل البيع، وسيخسر المزيد.