للشركات الروسية التي تبيع الحبوب للنظام مصلحة في حرائق المحاصيل

متداولة لحرائق المحاصيل في الشمال

بعد مشاهد الحريق التي منيت بها حقول القمح عبر الخارطة السورية، من الرقة ودير الزور والحسكة إلى السويداء ودرعا، بات من المؤكد أن المحصول الذي كان من المرتقب أن يحقق إنتاجاً كبيراً ربما يعود بسوريا إلى الكفاية الذاتية التي كانت عليها قبل 2011- لن يكون مساوياً لتلك الأحلام، بل إنه سيكون وفق أعلى تقدير مساوياً لما تم إنتاجه في أكثر السنين قلةً، وهو بالفعل ما تأكد مع بدء استجلاب القمح الأجنبي وتوقيع صفقاته.

تشير مؤشرات اقتصادية سورية إلى أن حاجة سوريا من القمح المستورد حالياً هي 1,5 مليون طن، وهو ما عملت شركات خاصة وتجار للحصول عليه عبر العقود، وبات مشهداً لافتاً للنظر تلك الباخرات الروسية الكبيرة المحملة بالقمح التي تحط في ميناء طرطوس، في اليوم ذاته الذي تندلع فيه حرائق حقول القمح في مناطق ثانية.

في عيد الفطر الماضي حطت 4 سفن روسية في ميناء طرطوس، وأفرغت حمولة 110 آلاف طن من القمح الروسي، وعند البحث في القضية تبين أن الشركات التي تقوم على استيراد القمح هي سوليد1 وسيستوس الروسيتيين وشركات روسية/سورية أخرى، ليجد القمح الروسي سوقاً وفيرة جديدة في سوريا، وتجد الشركات الروسية ملعباً استثمارياً جديداً خاصة بالقمح والحبوب.

"من ضمن الخطط التي تسعى فيها روسيا للحصول على استثمارات سورية سيادية تخدم مصالحها الاستراتيجية، هي جعل سوريا منصة لبيع الحبوب الروسية" يقول الاستشاري الاقتصادي يونس الكريم، ويرى أن من أكثر ما تهتم به روسيا حالياً هي مشاريع تجارية في مجال الحبوب والمطاحن وغيرها مما يرتبط بهذا النوع من التجارة، تضمن فيها أسواقاً بحاجة هذه المنتجات، وتتخذ من سوريا سوقاً لبيعه، قريبة على دول تحتاجه.

ويوضح الاستشاري أن مظاهر دخول الشركات الروسية في الاستثمار في مجال الحبوب وغيرها في سوريا يتبدى بصورة واضحة جداً، قد لا تكون أهداف روسيا فيها مجرد استثمارات، وإنما أيضاً خلق فرص استثمارية يمكن المقايضة والسمسرة فيها مع دول أخرى لروسيا مصالح مختلفة معها، وبذلك يكون الهدف البعيد لتلك التجارة سياسي استراتيجي وليس مجرد هدف اقتصادي ربحي.

يعتقد مؤيد حوراني وهو مهندس زراعي مقيم في سوريا، أن كل الدلائل الراهنة تشير إلى أن ما حدث من حرائق في حقول القمح السورية، إنما يشير بأصابع الاتهام إلى أهداف تجارية وشركات مرتبطة بالخارج، تهدف إلى منع وجود منتج محلي سوري وخاصة من مادة القمح، ما يتيح عقد الصفقات وتحقيق الأرباح للدول المهيمنة التي تتحكم بالبلاد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

ويبين حوراني أن السيطرة على الأسواق التي تبدأ بالخبز ستنتهي بالسيطرة الكاملة على الاقتصاد، ولعل روسيا في حال خروج إيران من اللعبة، ستكون القوة الأكبر والأقدر على إلحاق الاقتصاد السوري ككل للهيمنة الروسية، بعيداً عن مشاريع إعادة الإعمار التي لا تهتم فيها روسيا، طالما أن أوروبا وسواها لا تريد دفع الأموال المطلوبة لإعادة الإعمار تلك.

رسمياً لا تخفي حكومة النظام السوري حضور روسيا كمهيمن على هذا الجانب، وتحويل سوريا لسوق لتصريف منتجات القمح الروسية، حيث صرح وزير النقل السوري في وقت سابق أن هناك مشروعاً سيتضمن تشكيل مركز مختص بتوزيع القمح الروسي في سوريا، وأشار حينها إلى أن الروس حالياً يملكون 80 مليون طن من القمح معد للتصدير إلى الخارج، وهو ما يظهر أن السوق السورية ستكون أحد أهم بوابات تصريف هذا المنتج.

فيما تحاول حكومة النظام من جهة أخرى التلويح بأن هناك أهدافاً مشتركة بين روسيا وسورية بخصوص القمح، حيث سبق وأن صرح وزير التجارة الداخلية في حكومة النظام بأن استيراد القمح الروسي يقابله تصدير الحمضيات السورية إلى روسيا، وهو ما ثبت عدم دقته في ظل كساد الحمضيات، وبدء المزارعين بالتخلي عن هذا النوع من الزراعة باستبداله بزراعات قادرين على تصريف منتجاتها.