قرية دير حسان تتحدى الصعاب

تعرضت أرياف إدلب لأوضاع معيشية صعبة خلال السنوات المنصرمة، افتقدت فيها أبسط ضروريات الحياة من ماء وكهرباء، وعانت من غلاء أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية، بالإضافة إلى غارات طيران النظام وروسيا التي طالت أغلب القرى والبلدات. ومن هذه القرى قرية دير حسان في ريف إدلب الشمالي، قرب معبر باب الهوى.

هي قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها ثمانية آلاف نسمة، بالإضافة إلى عشرات العائلات النازحة من ريفي حمص وحماة. يعتمد أهلها بشكل رئيسي على الزراعة وعلى الوظائف الحكومية، ولذلك تتصف غالبيتهم بالفقر الشديد، كحال معظم قرى إدلب.

منذ حوالي العامين دخل برنامج «تمكين» القرية، فدعم بناء مستوصف ومنهل ماء، وتعبيد جزء كبير من شوارع القرية، وبناء صفوف جديدة في المدرسة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب والطالبات. لكن المشكلة الأساسية التي كانت ترهق السكان هي مشكلة مياه الشرب، بسبب الأعطال الكبيرة في شبكة المياه والتي يكلف إصلاحها مبالغ كبيرة لم يكن المجلس المحلي قادراً على تحصيلها. لكن المجلس لم يستكن، فنشط أعضاؤه في العمل الشاق والنظيف وبتفانٍ منقطع النظير، وهذا ليس غريباً على قرية كان عدد خريجي الجامعات فيها أكثر من 200 قبل الثورة، من مختلف الاختصاصات. وأثمرت جهودهم بدخول منظمة يداً بيد Hand In Hand إلى القرية، وقدمت الدعم المالي لشركة «البيان للمقاولات» لتنفيذ مشروع إصلاح الشبكة الذي استمر ستين يوماً قامت خلالها الشركة بإصلاح وترميم وتوسيع وتأهيل حوالي ثمانية آلاف متر، بتكلفة بلغت 135 ألف دولار أميركي، ومنذ أيام تمت تجربة ضخ المياه بنجاح كبير. وسيقوم المجلس المحلي بجباية مبالغ شهرية رمزية من المنازل المشتركة على خط المياه، وستسهم هذه الجباية في الإنفاق على نشاطات المجلس.

أما في مجال الرعاية الطبية فقد كان عمل المجلس بارزاً من خلال المستوصف الذي تديره لجنة طبية بإشراف الدكتور محمد منصور، ويعمل فيه عدد من الطبيبات والممرضين والممرضات، وقدم لقاحات للأطفال ولقاحات ضد الكزاز، وأدوية لمرضى الضغط والسكري، كما يقدم الإسعافات الأولية البسيطة، وتتم فيه معاينة المرضى وتقديم الأدوية لهم، وكل ذلك مجاناً. وقد أسهمت «مؤسسة شام» وجمعية «عطاء» في تقديم الخدمات الطبية والرعاية الأولية، وفي التبرع بالأدوية للمستوصف. كما قامت اللجنة الطبية بتدريب الشباب على أساسيات التمريض عبر دورات بلغ عددها ثلاثاً حتى الآن.

ويجري الآن بناء ملعب عشبي لكرة القدم بالشراكة مع أحد الأشخاص وفق نسبة من الأرباح متفق عليها. وسيؤدي بناء هذا الملعب دوراً هاماً في خدمة شباب القرية الذين كانوا يذهبون إلى القرى المجاورة للعب الكرة، مع ما يكلفهم ذلك من مبالغ للمواصلات، كما سيؤدي بناؤه إلى تنشيط الرياضة وتنمية المواهب وتغيير في الحالة النفسية لهم، وهذا شيء مهم جداً من أجل متابعة الحياة الطبيعية البعيدة عن أجواء الموت والدمار.

وفي مجال الأمية دعا المجلس لحضور دورة محو أمية لمن هم دون الخمسين، وستتبعها دورة تعليم لهم.

ومن الأمور المهمة قيام منظمة «خير» بتقديم المساعدات المادية لشراء الأدوية الزراعية والسماد للفقراء من المزارعين، ومساعدة مادية أخرى لمربي الحيوانات لشراء الأعلاف، مما يشجع على الاهتمام بتوسيع الثروة الحيوانية.

أما المشروع الكبير فهو بناء مشفى ضخم في القرية بتمويل من المنظمات الطبية، وقد أنجز بناء الطابق الأول منه ويتم حالياً بناء الطابق الثاني.

قامت هذه النشاطات والجهود الجبارة على أكتاف الشباب المثقف من أهل القرية الذي تجاوز العديد من الصعاب، وبرهن أن المجتمع الحر والعادل جدير بهذا الشعب العظيم الذي حاول النظام المجرم أن يدمره ويبعده عن الاهتمام بالشأن العام، لكن إرادة المقاومة والتحدي كانت أقوى من مقصد النظام المتخلف، وسيكون المستقبل أفضل بكثير إن شاء الله.