في ذكرى البعث...

بعد أيامٍ ستأتي ذكرى تأسيس حزب البعث، في السابع من نيسان. نتذكر، نحن السوريين الذين ولدنا في مملكة الحزب، هذا اليوم على أنه يوم عطلةٍ فقط، عطلةٍ تخلصنا من أعباء المدرسة وواجباتها الثقيلة، وتتيح لنا الاستغراق في النوم حتى ساعات الضحى، ثم الانطلاق إلى نهارٍ كاملٍ من اللعب، ودون الالتفات إلى مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة في برامج التلفزيون أو في اللافتات المعلقة على واجهات الأبنية الحكومية أو في حفلات تدشين المنشآت ووضع حجر الأساس وقصّ الشريط الحريريّ، وغير ذلك من الأنشطة التي يقوم بها المسؤولون المحليون في هذه المناسبة. وفي يوم المدرسة التالي نردّد أناشيد البعث قبل تحية العلم الصباحية، كي نكون مستعدين دائماً، نحن الرفاق الطليعيين "لبناء المجتمع العربيّ الاشتراكيّ الموحّد والدفاع عنه"، أو في حصة النشيد المقرّرة على تلاميذ المرحلة الابتدائية، والتي نردّد فيها وبدون تذمّرٍ الأناشيد الأسدية والبعثية، لا فرق بينهما، فالمهمّ بالنسبة إلينا أن نطلق أصواتنا ونصرخ محطّمين هدوء المدرسة، ومن دون اكتراثٍ أو حماسةٍ لما نقول. فواجبنا أن نغنّي عن حزبنا العملاق في ذكرى تأسيسه، وأن نغنّي نشيد الشكر القصير المؤلف من كلمةٍ واحدةٍ هي "نشكر"؛ نعدّد حروفها حرفاً حرفاً ثم نكرّرها كاملةً في مقطعٍ واحدٍ ثلاث مرات، ثم نصرخ بحرف الهاء المكسور. ومن دون أن نسأل معلمة النشيد طبعاً لمن يوجّه هذا الشكر أو لماذا حزبنا عملاق؟ وقد كان هذا الحزب عملاقاً فعلاً في حجم الخراب الذي ألحقه بكلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من حياة السوريين ودولتهم التي أفردت مادةً من دستورها بأن يكون هذا الحزب قائداً أبدياً لها ولمجتمعها.
ليس مهماً في هذه الأيام العودة إلى ذلك اليوم المشؤوم من العام 1947، حين اجتمع بعض الحمقى والرومانسيين ليؤسّسوا هذا الحزب. وليس مهماً أيضاً البحث في أسباب انحراف الحزب عن مقولاته النظرية، كما يفعل بعض المتعاطفين مع تاريخه، حين يلقون بكل اللائمة على حافظ الأسد، ويقولون إن العدل يقضي بالفصل بين نظرية الحزب وتطبيقاته الكارثية على المجتمع السوري، وهذا صحيح. وصحيحٌ كذلك أن النظرية البعثية لا يمكن أن تؤدّي إلا إلى مرحلةٍ كالمرحلة الأسدية، ولا يمكن أن تستمرّ إلا برجالٍ من طينة حافظ الأسد.
واليوم، وبعد سنواتٍ ثلاثٍ من الثورة، لم يبق من البعث إلا بعض المظاهر هنا وهناك، وتحوّل إلى موقع الدفاع عن النفس أمام استخفاف الأنصار الأسديين بمختلف تموضعاتهم، شبيحةٍ مستقلين أو عسكر أو منتسبين الى أحزابٍ وتشكيلاتٍ موالية، وغير هؤلاء من المغرمين بتأليه بشار الأسد.