فرنسيّةٌ في الميادين .. رغم صدمتها بحقيقة «الدولة» إلا أنها تفضّل البقاء

حسب مصادر غربيةٍ متنوّعة، يفوق عدد الأوربيات المنتميات إلى تنظيم داعش 500 امرأةً، يتوزّعن بين سوريا والعراق. ما أثار دوماً السؤال عن الأسباب التي دفعتهنّ إلى هجر حياةٍ آمنةٍ ومستقرّةٍ تضمن الحريّة والمساواة بين الجنسين والإقامة حيث الحرب والخراب؛ هل هو الملل والرغبة في المغامرة، أم الدوافع الإيمانية للإسهام في "بناء الخلافة"، أم مزيجٌ غامضٌ من الاثنين؟

تعيش "أم أيوب" اليوم، مثل عشرات المهاجرات الأوربيات، في مدينة الميادين، التي تعدّ مركز ما يسمّيه تنظيم داعش "ولاية الخير". تبلغ من العمر 26 عاماً، وتنحدر من أصول مغاربية. لا أحد يعرف اسمها الحقيقيّ، وهي لا تتحدّث كثيراً عن حياتها السابقة في فرنسا. لكنها أحياناً، وعلى هامش أحاديث أخرى، تتذكر أبويها المنفصلين منذ وقتٍ طويل، وتتذكر أيضاً معاناتها في ارتداء الحجاب. لا تظهر المرأة العداء المفترض لفرنسا، بل تكتفي بالقول إن تلك البلاد "لا تناسب دينها فقط، وتركتها". تقول إنها درست الهندسة البيئية في إحدى جامعات باريس، وإنها لا تستفيد اليوم من هذا التحصيل في شيء، مثلها مثل بعض "المهاجرات والمهاجرين من أصحاب الكفاءات العلمية التي لم تحسن الدولة استثمارها".

في أوائل 2015 وصلت أم أيوب إلى سورية عبر ممرّات التهريب الحدودية من تركيا، بعد رحلةٍ مخطّطٍ لها بشكلٍ جيدٍ عن طريق شبكةٍ من "الأخوات" عبر مواقع التواصل على الإنترنت. وفي سوريا تنقلت بين سلسلةٍ من المضافات النسائية المؤقتة من الحدود إلى الرقة وأخيراً إلى الميادين، حيث عملت كمتطوّعةٍ في مركزٍ طبيٍّ للتنظيم. وعن طريق مهاجرةٍ أخرى تعرّفت إلى زوجها الحاليّ، وهو مهاجرٌ من المغرب. يمضي الزوج وقتاً طويلاً بعيداً عنها لكنها لا تتذمر، وتشغل نفسها بقراءة الكتب وزيارة عددٍ قليلٍ من الصديقات هنّ زوجات مقاتلين في التنظيم. تبدي أم أيوب حرصاً على تعلم بعض الأطعمة السورية، وتحاول أن تبدو مرحةً وراضية. لكنها لا تخفي نقداً منضبطاً لسلوك التنظيم وأساليبه في تطبيق الشريعة، فهي أساليب قاسية ومنفرة حسب ما تقول؛ إذ كيف تعاقب النساء في الساحات العامة ويجلد الرجال ويهانون لأتفه الأسباب. "هناك فجوة"، تقول أم أيوب، "بين الدولة والناس"، ومن المستحيل أن يطبّق الإسلام فجأة، ومن الصعب على هذا "الشعب الطيب والبسيط" أن يتغيّر بين ليلةٍ وضحاها. كان لدى هذه المرأة حلمٌ، نشأ بتأثير الدعاية التي وقعت تحت تأثيرها، هو أن تكون جزءاً من "دولة الخلافة" وتعلّم الفتيات الصغيرات. لكن المدارس مغلقة بسبب الغارات الجوية، و"الدولة" لا تبدي اهتماماً كبيراً بالتعليم، فهي تركّز على القتال فقط. مما يضيّع فرصة استثمار المهاجرات وبعضهنّ حاصلاتٌ على شهاداتٍ عليا، فلا يتاح أمامهنّ سوى العمل في الحسبة لمراقبة النساء في الشوارع والأسواق والأمكنة العامة الأخرى. ولذا التزم العدد الأكبر منهنّ بيوتهنّ، أما العازبات ففي المضافات. ولا يضطرّ التنظيم إلى ممارسة أيّ ضغوطٍ على العازبات من أجل الزواج، إذ تتكفل مشاعر الغربة والوحدة والظروف الصعبة بدفع معظمهنّ إلى هذا الخيار.

تحصل المهاجرة العازبة على راتبٍ شهريٍّ يعادل 100 دولار. بينما تحصل الأم على ما يسمّى بكفالة الأطفال بالإضافة إلى الراتب نفسه، وهي 5 آلاف ليرةٍ سوريةٍ عن كلّ طفل، فضلاً عن خدماتٍ مجانيةٍ خاصّةٍ مثل السلال الغذائية والخدمات الصحية والوقود. ورغم أهمية هذه المزايا بالنسبة إلى السكان في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش إلا أنها لا تعنى شيئاً لامرأةٍ أوربيةٍ مثل أم أيوب.

تبدّدت أوهام المهاجرة عن "الدولة" لكنها لا تفكر رغم ذلك في الرجوع إلى بلدها، كما فعلت بعضهنّ، بل تفضّل البقاء دون أن تبدي أسباباً مقنعة، لكن الخوف من عقاب داعش في حال فشل خطة الهروب، أو العقاب الذي قد ينتظرها في بلدها، ربما كانا من بين هذه الأسباب.