في محطته الأخيرة، انتسب المحامي فاضل محمد السليم إلى ما يعرف بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، قادماً من رتبة قاضٍ في تنظيم داعش، وقبلها جاء إلى داعش من جبهة النصرة، إثر عضويةٍ في المجلس الوطني المعارض، ممثلاً للحراك الثوري عن «المجلس الأعلى لقيادة الثورة». وقبل الكل كان السليم بعثياً مخلصاً للنظام وعضواً عاملاً في صفوف حزبه.

في رحلته الطويلة تلك متنقلاً بين جماعات متناقضة، ظل المحامي الشاب رابط الجأش جسوراً لا يرف له جفن من حياء أو خجل بُعيد كل انتقال. كان انخراطه المزعوم في مظاهرات مدينة الحسكة، أيام الثورة الأولى، ثم ادعاؤه أنه يدافع عن المعتقلين في المحاكم، سبباً لشهرته المحلية آنذاك، التي لم تلبث أن اتسعت إثر إعلانه الاستقالة من حزب البعث ومن نقابة المحامين. وجاءت حكاية توقيفه القصيرة جداً في فرع الأمن العسكري، وإدراج اسمه في قائمة المعتقلين التي تنادي بحريتهم صفحات حقوقية وثورية على موقع فيسبوك، لتكرسه كواحد من نجوم الحراك، رغم التشكيك الذي أبداه كثيرون من أبناء الحسكة في حقيقة اعتقاله وفي دوره الفعلي في المظاهرات المندلعة حينها في حي غويران. فقد قال بعضهم إن فاضل كان يصور خلسة ومن أمكنة آمنة فقط، ويرسل المقاطع إلى مشاهير من معارضين معروفين وشيوخ تلفزيونيين ستكون لهم أدوار لاحقة في صعوده. بل يؤكد بعض من اعتقل من أبناء الحسكة أن «محاميهم» السليم ليس الا مخبراً عتيقاً زرعته المخابرات العسكرية في جسم الحراك، ونجح في تصدره.

في صيف عام 2012 وخريفه كان السليم مرابطاً شبه دائم في مكاتب المجلس الوطني السوري المعارض في مدينة إسطنبول، متملقاً الرجال النافذين فيه، ليضمن عضويته في صفوف المجلس عند توسعته. وحين سافر إلى الدوحة، حيث انعقد المؤتمر الخاص بهذه التوسعة، غيّر السليم هيئته إلى الزي العربي بالكوفية والعقال والثوب الأبيض والعباءة ليناغم الهوى القطري المؤثر آنذاك في صعود المعارضين السوريين وهبوطهم. لاحقاً، وبعضويته تلك، وبتزكيات خاصة من شيوخ وازنين منهم الراحل محمد علي الصابوني، انخدعوا جميعاً بالمحامي المتدين الثائر، صار السليم مستلم الأموال الأول من المجلس وغيره لمحافظة الحسكة بأجسامها الثورية المشكلة والآخذة في التشكل آنذاك، ما فرض حضوره في مشهدها العام. وفي الوقت الذي كانت فيه كتائب الجيش الحر النظيفة تصارع الجوع وندرة الذخيرة والسلاح كان السليم يهب جبهة النصرة في الحسكة 10 آلاف دولار كل شهر، حسب ما قال خالد سعود أبو سليمان، القائد في صفوفها في مدينة رأس العين وقتها، مدافعاً عنه أمام من اتهمه بأنه لص وعميل للنظام. وبين تركيا وسورية كان السليم يتغير من ثائر ببنطال الجينز إلى مجاهد بالزي الأفغاني، مقيماً في مقرات الجبهة وراكباً سياراتها برفقة الأمراء والقادة. ولم تحُل إسلاميته المزعومة، ولا طائفيته، دون مد الجسور وحيازة ثقة «علمانيين» كبار في المعارضة، فتنعم بالسفر من دولة إلى أخرى، قبل أن يرشحه منذر ماخوس لورشة تدريبية للمحامين عن جرائم الحرب في فرنسا، فآثر البقاء لاجئاً هناك بعد انقضائها. ثم لم يلبث أن ضعف أمام ميله الأصلي نحو الأقوياء، فعاد إلى تركيا فسورية مبايعاً تنظيم داعش أول العام 2014، بصحبة خالد سعود ابن قريته الأم الفدغمي –على نهر الخابور جنوب الحسكة- المتهم بتصفية عشرات مقاتلي الجيش الحر. وكما في كل المرات السابقة، تمكن فاضل السليم، الذي غيّر اسمه إلى «أبو المغيرة الهاشمي» كناية عن «نسبه الحسيني»، من الترقي في صفوف داعش ليصير قاضياً في محكمتها الإسلامية في مدينة الشدادي. وورد اسمه في الصحافة التركية كواحدٍ من وفدها المفاوض للنظام على عقد صفقةٍ ليسلّم الأخير مدينتي تدمر والسخنة لداعش مقابل مواصلة تصدير النفط إليه.

في حلته الراهنة، ديمقراطياً في صفوف الإدارة الذاتية الكردية وقواتها، بُعيد تسوية وضعه بوساطات من وجهاء عرب تابعين لها، ينزع السليم ورقة التوت ما قبل الأخيرة عن عوراته. إذ لن يكون انتماؤه الحالي إلا مؤقتاً، تمهيداً لعودته إلى جذره الأصلي في حضن النظام. وهو من ترعرع فيه ابناً لأحد سائقي حسين حسون، محافظ الحسكة آنذاك (ثم وزير عدل)، متنكراً -مثل أبيه- لمن ناهض النظام من أبناء الفدغمي في ثمانينات القرن الفائت، ومسبحاً بحمد الأسد وولاته.