- Home
- Articles
- Radar
عمل المرأة من المنزل في إدلب يفرض نفسه .. تحدي (الزوج المُشْرف) ووصمة (زوج الخياطة) والقليل من التشجيع
يجلس "أبو جواد" في منزله قرب نافذة المطبخ وهو ينفث دخان سيجارته كاتماً غضبه، ينتظر مغادرة ضيفات زوجته اللواتي يجلسن في الغرفة المقابلة لاستعراض البضائع التي تبيعها الزوجة.
لم تكن عائلة أبو جواد المهجرة من ريف دمشق معتادة على استقبال الضيوف منذ وصولها إلى إدلب في الشمال المحرر، لكن منذ أن بدأت "أم جواد 27 عاماً" مشروع بيع الألبسة والمكياج في منزلها، اعتادت على استقبال زبائنها لتعرض عليهم -بعد إخطارهم عبر تطبيق واتساب- عن وصول البضاعة الجديدة.
تقول "أم جواد“: "إلى الآن زوجي غير راضٍ تماماً عن المشروع؛ لم يخبر أهله بعملي، كما طلبت منه أن يخبر الجيران ليتعرفوا على عملنا، لكنه يرفض".
توضح السيدة أن زوجها يجد صعوبة في إيجاد عمل يؤمن دخلاً جيداً لعائلتها، الأمر الذي دفعها للعمل في هذا المشروع، وقد استطاعت الحصول على البضائع بسهولة عبر إحدى جارتها اللواتي بدأت أيضاً مشروعاً مشابهاً "حصلت على تمويل المشروع بعد أن بعت خاتمي الذهبي“.
تتنوع الفرص التي تحاول السيدات المهجرات في الشمال السوري إيجادها للعمل دون مغادرة منازلهن، وتساهم عدة عوامل في فكرة البحث عن عمل، لا سيما لدى السيدات اللواتي لم يسبق أن دخلن من قبل سوق العمل. وتتفق معظم السيدات اللواتي تحدثت إليهن ”عين المدينة“، أن تردِّي الوضع المعيشي كان أحد أهم الأسباب التي شجعتهن على العمل، كما أن رغبة بعضهن في التعرف على المجتمع المحيط بهن ومحاولة الانشغال بأي نشاط دفعهن إلى العمل للخروج من حالة الوحدة التي يعيشنها.
ولا تتفق العادات والتقاليد السائدة في عدة "مجتمعات محافظة" سورية مع فكرة عمل المرأة، لأن ثقافة الأخير شبه غائبة وغير متعارف عليها ضمن "المجتمع المحافظ".
"أمي تعد خبزاً وكعك بتكلفة مقبولة، وبإمكانها أن تجهز أي طلب" بهذه الكلمات، ودون تردد، تعرّف شذا صديقاتها في المدرسة عن مشروع والداتها. تقول الوالدة (36 عاماً) التي تعمل على بيع الخبز الصاج منذ عامين تقريباً إنها وجدت فرصة جيدة لإشغال نفسها وتأمين دخل مادي جيد.
انتقلت عائلة شذا للعيش في إدلب خلال عمليات التهجير من جنوب دمشق.. "فقدنا منزلنا، والكثير من العادات والنشاطات التي كانت تملأ علينا أيامنا" تقول السيدة، وتضيف: "وجدت في العمل فسحة لإشغال النفس عن الذكريات". وقد اختارت "أم شذا" العمل في هذه المهنة لخبرتها الجيدة في صناعة المخبوزات، وسهولة الحصول على معدات تتوفر معظمها ضمن المنزل: "لم يمنعني زوجي من العمل خارج المنزل؛ كما أنه لم يشجعني عليه".
بهذه العبارات "ماتت من أكتر من عشر سنيين، ولسه الناس بتحكي عليها إنها كانت تشتغل برات بيتها" أجابت "أم عدنان 24 عاماً" على سؤالنا "لماذا تكتفي بالعمل في منزلها، ولا تعمل في مشغل للخياطة يؤمن لها دخلاً أفضل؟". وفي إحدى غرف منزلها تجلس "أم عدنان" خلف ماكينة الخياطة، ومن حولها تتناثر قطع القماش وبقايا الخيوط، تقول: "أبداً لا يمكنني العمل برا البيت، حكي الناس سم، وأولهم زوجي يلي بيخجل لما ينقال زوج الخياطة".
تغلب نظرة المجتمع إلى زوج المرأة التي تعمل أن تقصيره هو ما أجبرها على العمل، ما يدفع الرجل لرفض فكرة عمل زوجته، أو أن يقبل مضطراً يرافقه شعور بالخجل، لكن تفاقم ظروف حالة عدم الاستقرار أدت لتغير نسبي في حكم المجتمع، الذي بدأ يؤيد فكرة عمل المرأة ومساعدة زوجها، ولكن ضمن ظروف خاصة أهمها عدم مغادرة المنزل. وفي أغلب الأحيان يفرض الزوج نفسه كمراقب على مشروع العمل، وقد يكون حقيقةً المسؤول المباشر عليه "زوجي من يشتري القماش، ويتواصل مع الزبائن عبر الهاتف" تقول "أم عدنان".
اختارت السيدة الثلاثينية "أم محمد" (أم لثلاثة أطفال هجرت من حي جوبر الدمشقي إلى إدلب)، أن تعمل في صنع الحلويات وأنواع الكيك من منزلها بسبب عدم توفر الظروف والدعم لفكرة افتتاحها محلاً تجارياً لبيع الحلويات، وقد اختارت اسم "الفتاة الدمشقية" لمشروعها، وأنشأت صفحات ومجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي للإعلان والترويج له.
تقدم "الدمشقية" مختلف أنواع الحلويات بحسب طلب الزبونات اللواتي يتواصلن معها عبر رقم هاتفها أو زيارتها، وتقول إن زوجها كان أكبر مشجعيها على تنفيذ المشروع، وأنه ساعدها لتطوير العمل ليصبح محلاً تجارياً، لكن "القيود الاجتماعية لا سيما كوننا مهجرين حالت دون ذلك".
توضح السيدة أن رغبتها في ملء الوقت ومتعة التواصل مع الزبائن من مختلف المناطق، شكلت الدافع الأكبر لإطلاق مشروعها؛ إضافة لتحسين الوضع المعيشي.
تطلق المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري بين فترة وأخرى مشاريع "تمكين المرأة"، التي تهدف لزيادة دور المرأة على عدة أصعدة منها تأهيلها لدخول سوق العمل، ويغلب على هذه المشاريع أن تطرح أعمالاً يمكن للمرأة ممارستها من منزلها كحياكة الصوف وإعداد المؤونة ومهارات يدوية أخرى.
مالك حاج علي مدير (منتدى أسعى الإنساني) يرى أن "التركيز على هذا النوع من المشاريع جاء تماشياً مع ثقافة المجتمع والعادات المتعارف عليها". موضحاً أنها "تتناسب مع طبيعة المرأة لعدم مقدرتها على الأعمال الكبيرة، إضافة إلى حاجة المرأة للوجود في منزلها للعناية بأطفالها".
كما تؤثر عدة عوامل أخرى على إمكانية دخول المرأة في سوق العمل خارج منزلها، منها طول المسافات بين المناطق وصعوبة التنقل وحوادث الخطف، وكلها عقبات ومخاطر تعاني منها معظم المناطق في الشمال المحرر، لكن في المقابل فإن ازدياد عدد النساء اللواتي وجدن عملاً في المنزل أو خارجه، هو مؤشر واضح على أن المرأة في "المجتمعات المحافظة" بدأت بتحطيم القيود القديمة السائدة، لتفرض نفسها كمنافسة في سوق العمل، خلافاً لما كانت عليه قبل عشر سنوات.