على حساب "سوق الهيئة".... داعش تفتتح سوقاً جديداً في الميادين

"القوي ياكل لحم مستوي"، بهذا التعبير وصف أحد المسؤولين السابقين للهيئة الشرعية، المنسحبة من محافظة دير الزور، الخطوة التي أقدم عليها تنظيم الدولة بافتتاح السوق وإجبار الناس على الالتزام به.

في نهاية عام 2013 كانت الهيئة الشرعية، التي سيطرت عليها جبهة النصرة، السلطة الرئيسية في مدينة الميادين، قبل دخول تنظيم الدولة إلى المدينة. وشرعت الهيئة الشرعية وقتها ببناء وتجهيز "سوق الهيئة"، وهو الاسم الذي أطلقته النصرة على 300 محلٍّ مسبق الصنع (برّاكيات) مساحة كلٍّ منها لا تتعدّى الأربعة أمتار، مربّعةٍ، مطليةٍ باللون الأزرق، مصفوفةٍ على شكل صندوقٍ مفتوح، لتشكل سويةً السوق الجديد في الجهة الشرقية من المدينة.

من النصرة إلى تنظيم الدولة

انسحبت الهيئة الشرعية من الميادين قبل أن يتمّ افتتاح السوق الذي يعدّ المشروع "العمرانيّ" الوحيد لها في المدينة. وبقدوم تنظيم الدولة؛ استكمل العمل بإجبار أصحاب محلات الخضار والجزارين ومحلات الفروج والبسطات المنتشرة في أسواق المدينة على الانتقال إلى السوق الجديد، بعد أن زاد التنظيم عليه قنواتٍ لتصريف مياه الأمطار وخطاً لمياه الشرب. وفي الوقت الذي تحرص فيه دعاية التنظيم على إظهار السوق كمنجزٍ وهبةٍ مجانيةٍ "للمسلمين"؛ يتقاضى التنظيم إيجاراً شهرياً يبلغ 13000 ليرةٍ سوريةٍ عن كلّ محلّ. وهو المبلغ الذي يراه أبو نزار -أحد المستأجرين- باهظاً للغاية، نظراً لأن السوق يغلق أبوابه في الساعة الثانية ظهراً، ولأن إقبال الأهالي ضعيف. معللاً ذلك بأن موقع السوق بعيدٌ عن مركز المدينة، حيث اعتاد الكثير من أهل القرى على الذهاب وقضاء معظم حاجياتهم، لوجود الأطباء والصيدليات وجميع المحلات في مكانٍ واحدٍ، وهم لا يعرفون مكان السوق الجديد. ويشتكي أبو نزار من عدم توفير مولدة كهرباءٍ للسوق، ما يجعل الجزار أو صاحب محل الفروج يدفع 500 ليرةٍ يومياً ثمناً لمازوت مولدته الخاصّة. ومن جهته، يزعم أبو حاتم، وهو أحد عناصر جبهة النصرة ومسؤولي الهيئة الشرعية السابقة، بعد أن فضّل عدم الافصاح عن مكان إقامته الحاليّ، أن الهدف من إنشاء هذا السوق في زمن النصرة هو التخفيف من الازدحام الشديد الذي كان أحد المظاهر الملحوظة في أسواق الميادين، خصوصاً في تلك الفترة التي شهدت تحوّل المدينة إلى عاصمةٍ اقتصاديةٍ للمحافظة بعد صيف عام 2012. ويضيف أبو حاتم: "إن مبلغ الإيجار العادل لهذه المحلات يجب أن لا يتجاوز الـ5000 ليرة شهرياً، بالنظر إلى تكلفة إنشائها".

موارد بلا تكاليف

وعلى شاكلة إيجار المحلات الجديدة، يعتمد تنظيم الدولة على استغلال فرض قوانينه لتحصيل أكبر قدرٍ من الموارد. وينطبق هذا على جهاز الحسبة، أو "عصا الدولة" كما يسمّيه بعض الأهالي في ريف دير الزور. ففضلاً عن الدور الذي لعبته الحسبة في تثبيت حكم التنظيم، فقد شكّلت مصدر رزقٍ لا يستهان به عبر فرض اللباس الشرعيّ على نساء المنطقة وإجبار الأهالي على شرائه إما من الحسبة نفسها أو من المحلات التي تعتمدها. ففي الميادين وحدها يقدّر أبو جمال، وهو أحد أصحاب محلات الألبسة، أن التنظيم باع أكثر من 50 ألف عباءةٍ سوداء و"درعٍ شرعيٍّ" بسعرٍ يتراوح بين 2000 إلى 5000 ليرة، لأن العباءات التي كانت تتوافر في السوق لا تتناسب مع معايير التنظيم، لعدم خلوّها من التطريز أو "البرّيق" أو الأزرار الملونة. كما فرضت الحسبة غرامةً تبلغ 3000 ليرةٍ على النساء اللواتي لم يتقيّدن تماماً بارتداء اللباس المطابق للمواصفات. وشملت نشاطات الحسبة "المالية" فرض غرامةٍ على الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم متلبسين بذقونٍ محلوقةٍ "بالشفرة"، تصل إلى 3000 ليرة. فيما تدفع المحلات التي يعثر التنظيم فيها على الدخان 1000 ليرةٍ عن كلّ "كروز" بغضّ النظر عن نوعه وقيمته. كما تذمّر الكثير من الفلاحين في الآونة الأخيرة من مطالبة التنظيم لهم بتسديد فواتير السقاية القديمة، فقد وصلت قيمة فواتير أبو مهند، من إحدى القرى المحيطة بالميادين، إلى 100 ألف ليرة. وبعض الفلاحين، كما يروي أبو مهند، تصل فواتيرهم إلى 200 ألف ليرةٍ، ولكنهم لم يسدّدوها حتى الآن.