طفل التمر الهندي.. لم يعد يتصرف إلا على أنه رجل يجب أن يقدم لأسرته كل ما يستطيع

بائع عرق سوس في مدينة سلقين بإدلب - 21 حزيران 2018 (سيريا غراف)

يختبئ محمد في زاوية أحد المحلات ليتناول قطعة معروك يسد بها رمقه. حر النهار الرمضاني في جنديرس أجهده كثيراً، لم يستطع متابعة الصيام خلف عربة بيع التمر هندي والعرقسوس.

يبلغ محمد من العمر ١٢ سنة، هُجّر من حلب في كانون الأول ٢٠١٦ مع عائلته، ويقيم اليوم في جنديرس مع والديه وأربعة إخوة. "فقدنا كل شيء، حينها كنت صغيراً ولا أذكر كثيراً من الأمور في منزلي، معظم ما أستطيع تذكره اختباؤنا من القصف في أقبية الأبنية..“ يقول محمد بعد أن اطمأن إلى أن والده وافق على تحدث ابنه إلي.

البيت الذي يؤوي الوالد فيه عائلته "على العظم، بدون كسوة"، هذا ما يسمح به الدخل المنخفض للعائلة، لذلك يشعر محمد بأنه مضطر إلى العمل بشكل مستمر، رغم أن "العمل متعب؛ ولم أستطع متابعة الصيام اليوم بسبب الحر الشديد؛ شعرت بدوخة وكدت أقع، لذلك طلب مني والدي الإفطار، ولم تكن تلك رغبتي".

ليس محمد الطفل الوحيد الذي يعمل كبائع على عربة. يمتلئ الشارع الرئيسي في جنديرس بالباعة من الأطفال وتملأ أصواتهم بدورها الشارع: "تمر هندي عسل، خمير يا عرقسوس، تازة يا معروك"، هؤلاء أصدقاء محمد في أوقات العمل. يقول: "كل الأطفال في الشارع تركوا المدرسة بشكل دائم أو مؤقت في رمضان.. يساعدون عائلاتهم، وبعضهم يعتبر المعيل الوحيد لها.. ”نتحدث معاً عن معاناتنا اليومية وتعبنا، نحاول تذكر من أين أتينا، وكل منا يصف ما يتذكره من منزله؛ هناك من يخبرنا ما حصل مع في إحدى مرات تعرضهم للقصف على أنها نكته ونضحك لذلك".

يعتبر محمد فرصة العمل ومساعدة الأهل نعمة، فصحيح أن الشارع ممتلئ بالأطفال العاملين، ولكنه ممتلئ بالأطفال المتسولين أيضاً، يركضون إلى كل زبون طلباً للمال، البعض يعطيهم والبعض لا يلتفت إليهم. يقول: "آسى لهم من قلبي، رغم أني لا أعرف ظروفهم ومن أين هم قادمون، لكن لو أن أحداً ساعدهم في إيجاد عمل لكان وضعهم أفضل، ولما اضطروا لهدر كرامتهم. الحمد لله أني أعمل مع أبي وأتعلم مصلحة".

عمل العائلة بكاملها في تحضير شراب التمر هندي والعرقسوس يساهم في تخفيف العبء على الوالد، "ففي رمضان ترتفع كمية المبيعات، ما يضمن لنا جزءاً لابأس به من المصاريف المالية اليومية ومصاريف العيد" حسب أبو محمد.

يقتني محمد حصالة "مطمورة" ليضع فيها أجره اليومي الذي يأخذه من والده. يختلف المبلغ الذي يتقاضاه وفقاً لنسبة البيع، ولكنه بالعموم يتراوح بين ٥٠٠ وألف ليرة سورية، يأمل الطفل بأن تكفيه نهاية شهر رمضان لشراء ثياب العيد، يقول "يصعب على أبي أن يشتري ثياباً جديدة لكل العائلة في العيد، لذلك أدخر ما أحصله في عملي لأشتري ثيابي بنفسي".

يرى محمد أن العمل لم يؤثر على مستواه الدراسي، رغم أنه توقف نهائياً عن الذهاب إلى المدرسة لهذا العام، بسبب التوقفات المتكررة التي شهدتها المدارس بعد انتشار كورونا. يقول: "أنا مجتهد في الدراسة، وأحب المدرسة، لكن يجب أن أعمل لنعيش، هكذا هي الحياة. في رمضان والصيف أساعد أبي، وفي الشتاء أعمل في محل قص بلَّور؛ فترة ستمضي ونرجع إلى بيتنا في حلب".

انقطاع محمد عن المدرسة بشكل متكرر ينغص على والده فرحته به، ويوضح الوالد: "محمد طفلي الأكبر، اعتدت الاعتماد عليه لمساعدتي في العمل، ونعتبره رجل المنزل.. انقطاعه عن المدرسة بشكل متكرر يقلقني، فهو مجتهد في دروسه مثل اجتهاده في العمل. بعد نقاشي معه قررنا أن يلتزم العام القادم بالدوام المدرسي بشكل كامل، وبعد انتهاء الدوام يأتي لمساعدتي".

ويتابع الوالد: "الحاجة في ظل الظروف المعيشة الحالية هي ما أجبرتنا على تقبل عمل محمد.. أعلم أن الأمر صعب عليه، ويحرمه من ممارسة طفولته كباقي الأطفال، حتى أنه لم يعد يتصرف إلا على أنه رجل يجب أن يقدم لأسرته كل ما يستطيع".

ووفق إحصاءات اليونيسيف فإنّ أطفال سوريا، يشكلون 50 بالمائة من مجمل عدد اللاجئين السوريين. وهناك 2 مليون طفل في الداخل السوري و800 ألف طفل في دول اللجوء، تم حرمانهم من التعليم.