سجون داعش النسائيّة في الرقة

من أيام اعتقالها في سجون داعش لا تستطيع مريم، وهي معلمة مدرسةٍ سابقة، أن تتذكر الكثير حسب ما تقول، لكنها ما زالت تتذكر الأنشودة من مكبّر صوت الصوت في سيارة داعش المنطلقة بها إلى مدينة الرقة.

«إحساس غريب سببته هالأغنية مع الخوف والصدمة بسيارة داعش لما نزلوني من السرفيس على أول حاجز على طريق الطبقة»؛ تقول مريم التي وقعت ضحية تشابهٍ في الشكل مع امرأةٍ أخرى مطلوبةٍ للتنظيم، فسجنت لعدة أيامٍ في مبنى القضاء العسكريّ السابق الذي عرف بـ«النقطة 11» بعد سيطرة داعش. في تلك «النقطة» شاهدت مريم سجانات التنظيم يضربن النساء بالعصيّ والخراطيم بسببٍ أو دون سبب كلما خطر لهنّ ذلك، فضلاً عن أوقات التحقيق التي تسمع خلالها صرخات خوفٍ واستغاثةٍ وتوسلٍ من المعتقلات دون جدوى. «كان بي مرة عجوز تجيها نوبات ربو، وكانت راح تموت. نادينا عالسجانة، صيّحت علينا وقالت اتركوها خليها تموت، ما تسوى شي حياة هالفاسقة». ولأنها حاملٌ، أو لأنهم لم يتأكدوا أنها المرأة التي يبحثون عنها، لم تتعرّض مريم للتعذيب -كما تقول- قبل أن يطلق سراحها.

يصعب تقدير عدد النسوة اللاتي مررن في سجون وأماكن التوقيف المختلفة لداعش، لكن عدد هذه السجون –المعروف منها على الأقل- وتوزّعها يشيران إلى ظاهرةٍ واسعةٍ بدأت منذ سيطرة التنظيم على الرقة وحتى اليوم. فإلى جانب الحسبة في مقرّ الاتحاد النسائيّ السابق والنقطة 11، اللذين يحويان رجالاً ونساءً، جعلت داعش مدارس «سيف الدولة» و«جواد أنزور» و«علي دهام» سجوناً نسائيةً بحتة.

وإضافةً إلى العاملات مع أزواجهنّ في جهاز الحسبة، يشكّل ما تبقى من «كتيبة الخنساء»، المؤسّسة أول العام 2014، الذراع النسائيّ للتنظيم اليوم في المدينة. والمكلف بشكلٍ أساسيٍّ –إضافةً إلى مهماتٍ أخرى- بتطبيق قوانين التنظيم المتعلقة باللباس والسلوك العام على النساء، فضلاً عن تزويد السجون النسائية بما يلزم من سجاناتٍ وجلادات. ويمكن لأي امرأةٍ بايعت التنظيم أن تصبح شرطيةً مؤقتةً تتهم من تشاء بأيّ تهمة. وخلال مدّة سيطرتها على الرقة شكلت مخالفات النساء تعليمات داعش الخاصّة باللباس التهمة الرئيسية لمعظم المعتقلات. وتراوحت العقوبات بين السجن لوقتٍ قصيرٍ مع دفع غرامةٍ ماليةٍ ومعاقبة وليّ الأمر والخضوع لدورةٍ شرعيةٍ في الحالات التي تطاوع فيها الموقوفة السجانات والمحققين، أو الضرب والسجن لمدّة أطول قد تصل إلى شهرٍ في حال أبدت سلوكاً عنيداً ومتحدياً. تقول (ر. م) إن مقاومتها دورية الحسبة، التي ألقت القبض عليها لظهورها دون غطاء وجهٍ أثناء جمعها الملابس من حبل الغسيل، قد سبّبت لها ساعاتٍ طويلةً من التعذيب بالضرب على القدمين (فلقة) في السجن وتقليص الطعام إلى الحدّ الأدنى برغيف خبزٍ يابسٍ فقط كلّ يوم. وأدى تكذيب إحدى السجانات بأم عبد الله، وهي ربة منزلٍ كانت تجلس مع جاراتها أمام منزلها دون غطاء وجهٍ هي الأخرى، إلى الضرب بالعصيّ واستعمال «العضاضة» في تعذيبها خلال مدّة حبسها التي جاوزت الشهر. ولا يتوافر الكثير من المعطيات حول المتهمات بقضايا التخابر (مع الجيش الحرّ أو التحالف أو النظام)، والقضايا الخطرة الأخرى، سوى ما تنقله مسجوناتٌ أخرياتٌ بعد الإفراج عنهن، سمعن صرخاتهنّ أثناء التحقيق أو التعذيب بوسائل لا تختلف عن وسائل تعذيب الرجال، ولكن على يد جلاداتٍ فقط، التزاماً من داعش بما تفرضه من الفصل بين الجنسين. إذ يقتصر دور الأمنيين هنا على التحقيق مع المتهمات وهن مغطيات بالكامل.

من بين أشهر مبايعات التنظيم يبرز اسم أم حمزة الحمصية لما عرف عنها من سلوكٍ وحشيٍّ ونزعةٍ ساديةٍ في تعذيب المعتقلات. جاءت هذه المرأة إلى المدينة نازحةً من حمص عام 2012. وبعد تحرير الرقة من قوات الأسد انتسبت إلى الشرطة النسائية التي شكلتها الهيئة الشرعية التابعة لحركة أحرار الشام، ثم إلى تنظيم داعش بُعيد سيطرته على المدينة مطلع 2014. وسوى أم حمزة اشتهرت من سجانات داعش في الرقة كلٌّ من أم مجاهد التونسية وأم الليث العراقية اللتين عرفتا بولعهما بتعذيب النساء في السجون -لوقتٍ قصير- قبل أن تختفي آثارهما.