- Home
- Articles
- Radar
ريّان مشعل... من الثورة إلى داعش!
براء كادك، أو من يعرف بـ«ريّان مشعل»، أحد أشهر إعلاميي داعش، شخصية غريبة ذاع خبر مقتلها قبل أسبوعين. من هو ريّان؟ كيف انشق هذا «الشاب اللطيف» عن الثورة ليلتحق بتنظيم لا يقل إجراماً عن نظام وحشيّ يفترض أنه ثار لتغييره؟!
ينحدر براء من أسرة سورية محافظة من قرية رام حمدان بريف إدلب، مؤلفة من خمسة شباب وثلاث فتيات. ولد في السعودية حيث كان يعمل والده مدرساً، ثم عاد إلى سورية. درس في كلية الآداب بجامعة حلب وتخرّج في قسم الأدب الإنكليزي، ثم صار مدرساً في معهد للغات في حي الفرقان بحلب.
في حضن الثورة
تعرّفت إلى ريّان في الأشهر الأولى للثورة عام 2011، عبر حسابات مستعارة على فيسبوك، وتعاونا على نشر الأخبار في الصفحة التي أنشأها باسم «الثورة الحلبية الكبرى». وتعززت علاقتي به في ما بعد، وتعرفت إليه بشكل شخصي.
تميّز بنشاطه واجتهاده وإتقانه. هادئ قليل الكلام. جاد في التعامل. كان يحمل في داخله قضيّة وهدفاً يسعى إلى تحقيقهما. شارك في بعض الأعمال الثورية في مدينة حلب، إلا أنه صرف معظم نشاطه إلى العمل الإعلامي الذي كان يتقنه جيداً ومبكراً، قبل انتشار الدورات ومجيء الخبرات. لا زلت أذكر التقرير الذي أعده وسجّله بصوته عن «تأخر حراك حلب»، والذي أُعجب به بشدة القائمون على قناة أورينت يومها. أكثر ما برع به ريّان في مدينة حلب كان تصوير شبيحة الجامعة ونشر انتهاكاتهم في حق المتظاهرين.
ظروف التحاقه بداعش
حين أعلن الثوار بدء رد عدوان داعش واستئصالها من حلب، مطلع 2014، جاء أحد أصدقاء ريّان ليصحبه إلى مدينة الباب التي سيطر عليها التنظيم. حزم مشعل أمتعته فعلم والده وحاول منعه دون جدوى، فاضطر الأب إلى اللحاق به إلى الشارع والتلفظ بعبارة «الله يغضب عليك» على مرأى ومسمع الناس. بعد وصوله إلى الباب قطع كل علاقاته بالثوار إلا من كانوا حملة اللوثة الداعشية، الذين تمكّن من إغراء واستدراج بعضهم، وكان من أبرزهم أبو عقبة الحلبي.
السؤال الذي نحاول الإجابة عنه هنا هو كيف انزلق هذا الشاب المثقف اللطيف في أحضان التنظيم المتوحّش!
1- غموض وأنانية
اتصف ريّان بالانطوائية نوعاً ما، حتى بين إخوته. يكتنفه نوع من الغموض والهدوء الذي يصعب فهمه أحياناً. يتوجّس من الآخر بشكل زائد رغم سعيه إلى تحصيل المكاسب منه، لكنه يحب الأخذ دون عطاء. في دورة إعلامية حضرناها سوية، مع عدد من الصحفيين والناشطين في تركيا، كان ريّان الشخصَ الوحيد الذي رفض إعطاء اسمه للمنظمة الأجنبية التي نظّمت الدورة، رغم حصوله على معدّات ومبلغ مالي منها!
2 - غرور وتكبّر
كان ريّان شديد الأنانية والإعجاب بنفسه. يحب الظهور ويسعى إلى وضع بصمته في أي عمل يقوم به. في الأشهر الأولى من الثورة حرص على وضع لوغو الصفحات أو الجهات التي يعمل باسمها على فيديوهات المظاهرات وغيرها، مما أدى إلى عدم نشرها على كثير من القنوات التي رفضت ذلك. لم يكن يقبل الانضمام إلى أي صفحة إعلامية تعنى بثورة حلب وأخبارها بسهولة. يُؤْثر العمل الفردي على العمل الجماعي. وقد باءت جهود توحيد العمل الإعلامي في حلب بالفشل لعدة أسباب كان ريّان أحدها. لا زلت أذكر جولته الإعلامية الشهيرة في ريف حلب الجنوبي، وقد أرسلها لي للعرض على شاشة قناة عملت بها، واختصرت بعض اللقطات التي أظهر نفسه فيها بتكلّف غير مقبول، فكان ذلك سبباً رئيساً لابتعاده عني وتردي علاقة العمل بيننا.
3 - تمايز واستعلاء
في دورة إعلامية حضرتُها في تركيا أيضاً كان موجوداً، بالإضافة إلى عدد من إعلاميي حلب وغيرها من المدن السورية، وكان بينهم بعض من يصفون أنفسهم بالملحدين، وفيهم بعض أكراد الحسكة وغيرهم. لم يجالس ريّان أحداً. كان ينظر إلى الآخرين باستعلاء، ويفرض بينه وبينهم حواجز وعقبات. تجنب حضور النقاشات والسهرات التي أثمرت في تقريب وجهات النظر وكسر الجليد بين الكرد والعرب مثلاً. في إحدى المرات، وبعد ضغوط ومحاولات للصلح، رضي بالجلوس مع إعلاميي حلب، وكان اعتراضه على بعضهم أنهم متحاملون على «الإسلاميين»، وأشار بوضوح إلى جبهة النصرة (كان ذلك قبل ظهور داعش واقتسام تركة النصرة بين البغدادي والجولاني).
4 - قسوة وشدّة
يقول طالب سواس، وهو أحد من أقاموا مع ريّان في المكتب الإعلامي الذي اتخذه في المنطقة الصناعية بحلب: كانت علامات قسوة القلب تبدو في مواقفه، فهو يؤيد العنف مع الخصوم ويستهجن الشفقة والتسامح. ومن أراد الدليل فليراجع حلقة «الجيش السوري» من برنامج «ثورة 3 نجوم»، إذ اختلف ريّان مع الإعلامي عبد الوهاب الملا المتسامح مع جنود الأسد المغلوب على أمرهم. فكان عبد الوهاب يعترض على ذبحهم وريّان يخالفه، حتى خاطبه الملا متعجباً: إذا قلنا أمسكوا العسكري وتعاملوا معه بإنسانية فيها خلل شرعي؟!!
يضيف سواس: كان ريّان يعلم بطش التنظيم جيداً، وقد سمعته يقول لأحدهم: «عبتلعب بالنار»، لأنه ينتقد سلوكيات التنظيم، محذراً إياه من الاعتقال!
5 - ضعف في العلوم الشرعية
جهل ريّان بالعلوم الشرعية، بالترافق مع عاطفته الدينية، كان من عوامل انسياقه وراء التنظيم الذي أغرى الكثيرين من أمثاله بشعارات برّاقة. ولم يكن هذا بجديد عليه، فقد افتُتن من قبل بمحمود قول أغاسي، المعروف بـ«أبو القعقاع»، وكان من المواظبين على دروسه في جامع العلاء بن الحضرمي في حيّ الصاخور.
في بداية طفو داعش على السطح علمت أنه بات من المعجبين بالتنظيم، وأن أمنيي داعش صاروا يتردّدون إلى مقر عمله في شبكة حلب نيوز بالمنطقة الصناعية، كما علمت أنه تلقى نحو 10 آلاف دولار من التنظيم بهدف تسويقه إعلامياً. توجهت من تركيا إلى حلب واتصلت به لنلتقي ونتحدث حول «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فاشترط ألا أناقشه بمفرده، طالباً الاستعانة بـ«الإخوة». وصل اثنان مسلّحان ملثّمان وطلبا مناقشتي من وجهة نظر شرعية لأني أحمل الليسانس في الشريعة. قبلتُ بشرط نزع سلاحيهما ولثاميهما لكنهما لم يلتزما. كان ريّان هادئاً، أصغى بصمت تام للحديث دون أن يشارك!
بعد نقاش طويل لم نتوصّل إلى نتيجة، فصاحبا ريّان -تبين أنهما من الأمنيين رغم أن أحدهما كان قادماً من تنسيقية تُحسب على العلمانيين- لا يجيدان سوى سرد بعض الآيات والأحاديث، دون تمييز النصوص القرآنية العامة التي خصصتها آيات أخرى، وكذلك لا يدركان الفرق بين المطلق والمقيّد كما هو معلوم في أصول الفقه. انتهى النقاش بقول أحدهما: «يجوز لنا أن نقيم دولة إسلاميّة من خمسة أشخاص على سفح جبل، نبايع فيها أحدنا كخليفة. المهم أن نقيم الشريعة». خرجتُ بعدها، وأشاع ريّان أنني عجزت عن إيراد الأدلة أمام خصومي!
6 - لصوص الثورة
يُرْجع البعض سبب التحاق ريّان بداعش إلى ممارسات بعض المجرمين المتستّرين بعباءة الجيش الحر. نعم، أذكر أنه أنشأ صفحة لنشر تجاوزات كتائب وعناصر الحر. ولكن كيف سكت عن إخوته في التنظيم الذين خطفوا صديقهم وصديقه الإعلامي «عمار الحلبي» وسلبوه ماله وسيارته ومعدّاته ثم أفرجوا عنه بعد إمهاله 24 ساعة لمغادرة سورية؟ كيف سكت عن خطف زملائه الصحفيين؟ كيف سكت عن سرقات كان شاهداً عليها؟ كيف سكت عن مجزرة مشفى العيون؟ كيف سكت عن سرقة الأملاك العامة؟ كيف سكت عن فديات خطف الصحفيين الأجانب؟ كيف سكت عن سرقة ثورة دفع السوريون لأجلها الغالي والنفيس؟ كيف سكت وبايع تنظيماً كان شاهداً على ظلمه بنفسه... كيف وكيف وكيف؟
تأسيس «أعماق»
استطاع التنظيم أن يسخّر ريّان لخدمته، وفي الوقت نفسه أعطاه ما عجزت الثورة عن تحقيقه له، إذ عيّنه أستاذاً للغة الإنكليزية في جامعة منبج التي استولى عليها بعد سيطرته على المدينة، كما سخّر له المال والمعدّات ومنحه هامشاً ما من الحرية. إذ كان ريّان يدرك من خبرته السابقة أن الوصول إلى القنوات والفضاء الإلكتروني لا بد له من نافذة إعلامية تدّعي المهنية وتراعي أبسط القواعد، كحذف مشاهد العنف المفرط وتسمية القوى والفصائل بأسمائها بعيداً عن الأوصاف التي يطلقها التنظيم على خصومه، وهكذا جاءت مساهمة ريّان الكبيرة في تأسيس «وكالة أعماق» الذراع الإعلامي الأبرز لتنظيم داعش.
ملابسات مقتله
في 31 أيار 2017 أعلن حذيفة، الأخ الأصغر لريّان، على صفحته في فيسبوك، مصرع شقيقه إثر غارة للتحالف. والحقيقة أن النبأ جاء متأخراً عن الحادثة أربعة أيام تقريباً، فقد قتل ريّان بغارة أعقبت وصوله إلى منزله الجديد في مدينة الميادين بمحافظة دير الزور، بعد أن طلب منه التنظيم مغادرة مكتبه في الرقة قائلين: «نريدك معنا، سنحتاجك كثيراً هناك»! وهنا تجدر الإشارة إلى أن التنظيم منع شريك ريّان في المكتب من المغادرة معه. لم تمض دقائق قليلة على وصوله إلى سكنه الجديد حتى تعرض المبنى لقصف صاروخي من طيران التحالف أدّى إلى مقتله على الفور مع طفلته الصغيرة، فيما أصيبت زوجته إصابات بليغة أدت إلى شللها.
رحل ريّان وسط صمتٍ مطبقٍ من التنظيم الذي لم يكلّف نفسه حتى نعيه، وهو من سخّر كل إمكاناته وخبراته في خدمته.
قتل ريّان بينما قاتل اثنان من أشقائه على الجبهات ضد تنظيم كان أخوهما من أبرز أعمدته إعلامياً!
لن أترحّم على ريّان مشعل. لا شك أن ربه أعلم بصنيعه وإلى جانب من وقف، إلا أنني لم ولن أُظهر الشماتة به، بل أقول كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. فمن منا يأمن على نفسه فتنة استعاذ منها خير الخلق رسول الله!
ريان مشعل (الأول من اليمين) في دورة تدريبية للإعلاميين في عنتاب مطلع 2013 - من أرشيف المؤلف